ياسر صالح البهيجان
الإعلام يمثّل خط الدفاع الأوّل عن أي وطن، وإن كان من البديهيّ أن تستقلّ كل مؤسسة إعلاميّة في توجهاتها أثناء طرح القضايا المحليّة، فإنها في الآن ذاته مطالبة بأن تتحد في المسائل الوطنيّة، وتحديدًا عندما يكون الوطن مستهدفًا من قوى خارجيّة تروم زعزعة أمنه واستقراره.
المملكة تواجه حملة شرسة من الإعلام المناوئ لها وبآليّات منظمة تكاد تخترق كبريات الوسائل الإعلامية العربية والأجنبيّة، وقد تتخفّى الأحقاد خلف ستار النقد البنّاء، إلا أن نمط الطرح يكشف عن المضمرات الكيديّة التي يُراد بها تشويه صورة المجتمع السعودي، وتجسيده بوصفه مجتمعًا رجعيًا ولا يزال في حالة البداوة والهمجيّة واللا نظام.
تلك الفوضى تفرض على الإعلام السعودي تحديات مرحليّة حرجة، تتطلب جهودًا مضاعفة إن قارنّها بأية مرحلة سابقة، وبات الإعلام الوطني على المحك، ليظهر بمظهر القوّة المكاشِفة والجريئة التي تعرّي الجبهات المضادّة، إعلام ينتقي العبارة المكثّفة، ويختار الصورة المعبّرة، ويضع العنوان الصميميّ، ويتجه إلى أساليب الانتشار الحديثة، ويوفّر محتوى بلغات أجنبيّة ليستهدف بها المجتمعات المختلفة سواءً على المستوى الإقليمي أو الدولي.
لم يعد الإعلام بوابة لمن تاه عن الطريق، وإنما بات مجالاً متخصصًا حدّ النخاع، أي أن المؤسسات الإعلاميّة في هذه المرحلة ينتظرها التأهيل والتدريب العاليين، لتتمكّن من أن تضم في فريقها التحريري رجال أمن يرتدون ثوب الصحافة، ويحملون سلاح القلم، ويستحضرون أبجديّات المهنة التي تفرض عليهم معرفة أدق تفاصيلها ليس من أجل المفاخرة بأنهم «إعلاميون»، بل ليسخروا أنفسهم دفاعًا عن الوطن، ونقل المعركة الإعلاميّة إلى الأرض الأخرى.
نعم، هي معركة إعلاميّة ضارية، لا تقلّ إطلاقًا عن المعارك الحربيّة الناشبة في المنطقة، وازدادت حدّتها في ظل قوّة تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، التي أضافت للمؤسسات الإعلاميّة تحديات كبرى، تؤكّد ضرورة التحرّك النوعي لانتزاع حصتها في القوّة والانتشار، ولن يحدث ذلك إن استمرّت وسائل الإعلام مترددة، بل ستفسح المجال للقوى المضادة لنتشر نفوذها وهيمنتها؛ لتمارس دورها في بث الأكاذيب والأراجيف من أجل ترسيخ أفكار مغلوطة عن المجتمع السعودي.
كما أن للإعلام وجهًا آخر، يتمثّل في منجزات ثقافة الصّورة وتحديدًا ما تفرزه الأعمال السينمائيّة من آليّات تمكّنها من النفاذ إلى المجتمعات الأخرى، إذ لا تزال الإنتاجات الفيلميّة العربيّة في مستوياتها الدنيا، ومعظمها لا يذهب أبعد من تناول القضايا المحليّة والمشكلات الاجتماعيّة، وتكاد تنعدم تلك الأعمال الوطنيّة الموجهة نحو الآخر المختلف، أو التي تنمّي حسّ الانتماء الوطني لدى المجتمع، وهذه الثغرة غاية في الجسامة، وإغفالها يحرم المجتمعات العربيّة من أي انتصار حقيقيّ في معركة الإعلام المفتوحة على كافّة الجبهات.
نحن في زمن الإعلام المنظّم، والجهود الفرديّة لا يمكنها أن تذهب بعيدًا، ولن يتمكن الإعلام من التصدّي لأي حملة مغرضة ما لم تتضافر القوى الوطنيّة في القطاعين الحكومي والأهلي لتأهيل الكفاءات الشابّة، والسير وفق منهجيّة جديدة تُدرك ظروف المرحلة وتعي حجم التحديات.