تركي السديري سيحن له البلاط «بلاط صاحبة الجلالة».. سيحن له بلاط مؤسسة اليمامة الصحفية. لا أتوقع أي موظف في مؤسسة اليمامة الصحفية يعرف ما تحمل جدران كل غرفة من الدور الثاني بالمبنى الذي تقع فيه جريدة الرياض، بل لا يعرف كل شخص كم عدد بلاطات الرخام في كل غرفة وفي الممرات والدرج مثلما يعرف عددها تركي بن عبدالله السديري.
عملت مع قيادات كثيرة جدًّا، كلهم لا يتجاوز جولتهم في مبنى المؤسسة حدود مكتبه فقط. أما تركي السديري فعلى العكس من ذلك؛ فنادرًا تجده في مكتبه؛ فعادة يتجول بين المكاتب والأقسام والإدارات والغرف. يستمع إلى الجميع، ويجلس بين الجميع، ويناقش ويتعرف على هموم وأفكار الجميع من دون أن يقدموا شكواهم. وإذا لم تجده بين الأقسام فستجده يجلس في مكتب مدير مكتبه على كرسي الضيوف.
وأول مقابلة كانت لي معه وأنا طالب في الجامعة في تخصص الصحافة والعلاقات العامة؛ إذ زرته في المبنى السابق لمؤسسة اليمامة الصحفية (جريدة الرياض) في شارع الستين بالملز، قبل أن أنضم أنا إلى جريدة الرياض، وكنت في ذلك الوقت لا أتذكر هل عندما كنت محررًا في جريدة المدينة أم محررًا في جريدة الأنباء الكويتية؛ فقد قابلته مباشرة، ولا أتذكر أنه كان عنده مدير مكتب أو سكرتير، وأجريت معه حوارًا صحفيًّا؛ باعتباره من ضمن شخصيات تحقيقي الصحفي.
ثم انضممت لجريدة الرياض عام 1416هـ؛ وتعرفت عليه عن قرب؛ فعرفت شخصية مختلفة في الإدارة والتحرير؛ إذ يمكن أن تناقشه، وتقدم له رأيك وفكرتك أو معاناتك أو ما تفكر به دون أن تذهب إلى مكتبه، والوقوف عند مدير مكتبه ليستأذن أو يحدد لك موعدًا، مثلما يحدث مع الكثير من رؤساء التحرير حاليًا.
بل هو سيأتي لك في مكتبك أو صالة التحرير أكثر من مرة في اليوم الواحد، ويبادر ويتحدث معك، ويسألك ويناقشك، وإذا لم تتحدث معه فسيحدثك عن الأحداث العربية أو المحلية أو الدولية، أو أي موضوع آخر، سياسة أو رياضة أو فن أو سياحة أو دين.. إلخ، وسوف تسمع بأشياء لم تسمعها من قبل، قد تخالف رأيك، أو قناعتك، لكنك ستكتسب معلومة.
وتقابله في ممرات الدور الثاني فتجده يمشي مع أحد مديري التحرير يعاتبه، ويغلظ عليه في القول، وهما يمشيان كأنهما صديقان، بمعنى أنه لا يقف ويتحدث وجهًا لوجه ويصرخ، بل يمشيان مع ارتفاع الصوت قليلاً بالتهديد والتأنيب، لكنه بعد ساعة يعود وليس في خاطره شيء على أحد.
إذا عرفت مزاج تركي السديري فسوف تأخذ منه ما تريد وبطيب خاطر، وإذا كان مزاجه متعكرًا فلن تأخذ منه شيئًا. كان لي معه مواقف ألغى فيها أخبارًا لي، بل في أحد الأيام أعاد الطبعة الأولى من الجريدة بعد أن وصلت للمطار، وأعاد طباعة النسخ من جديد بسبب موضوع، وكانت إساءة الفهم هي السبب. ومع ذلك لم يتصل بي أو يعاتبني نهائيًّا طوال فترة عملي في جريدة الرياض التي تجاوزت عشرين عامًا.
أسأل الله لي ولك ولوالدينا وأحبابنا المغفرة والرحمة.
** **
منصور بن إبراهيم الحسين - محرر بجريدة الرياض