** بوفاة أخي.. وزميلي.. وصديقي الحبيب تركي عبدالله السديري.. أشعر أنني فقدت جزءًا من عمري.. هو الأغلى.. والأهم.. لأن أبا عبدالله يرحمه الله رحمة الأبرار.. فوق أنه رفيق درب لأكثر من خمسة وأربعين عاماً قضيناها نركض معاً في عالم الصحافة المشحون بالهموم والمتاعب.. فإنه صديق حياة نادر.. وإنسان قلَّ أن يتكرر في هذا الزمان..
** وبقدر ما هزَّني خبر وفاته الصاعق.. بقدر ما جعلني أتذكر رحلته الطويلة في التأسيس لصحافة جمعت بين المهنية.. والصدق.. وحميد القيم.. وعبرت عن حقيقة هذا الوطن.. وجسدت مكانته.. وقدمته لهذا العالم بالصورة التي تليق به..
** صحيح أن هناك من الرواد والرموز من سبق فقيدنا الغالي في إثراء المعرفة الإنسانية وخدمة الكلمة الصادقة والأمينة.. لكن الأكثر صحة هو أن الحبيب تركي.. وأخي خالد المالك.. ومن رافقهم في هذه المرحلة الهامة قد أكسبوا المهنة أبعاداً أمنية.. وسياسية.. واجتماعية.. غير مسبوقة وفتحوا آفاقاً جديدة أمام المتلقي.. وساهموا مساهمة فاعلة في تعزيز الوحدة الوطنية.. ودعم مسيرة البناء والتطور والنماء التي شهدتها بلادنا.
** وإذا كان هناك ما ميز الفقيد الغالي فضلاً عن الصفات الإنسانية والأخلاقية الحميدة، على مستوى المهنة فهو ثقافته الواسعة. وهو ما أكسبه القدرة على تمكين صحيفة الرياض التي قادها لأكثر من أربعين عاماً من أن تصبح قنطرة عربية، فضلا عن تنافسها القوي مع صحف الداخل البارزة والقوية.. وتخلق بذلك روحاً تنافسية شديدة الاشتعال.. بين صحيفة الرياض والجزيرة وعكاظ.. وهي الحالة التي خلقت واقعاً مهنياً رفيع المستوى يحتاج إلى من يدرسه بعمق.. ودراية.. ومعرفة.. ومنهجية عالية من شأنها أن تضع أمام الباحثين.. والدارسين.. وطلاب الجامعة ثروة ثمينة من المعلومات والحقائق عن صحافة حية وقوية، كان وما زال لها دور كبير في صياغة حياتنا.. وتنمية وتطوير بلادنا، والحمد لله.
** ورغم ذلك التنافس الشديد بيننا إلا أن الفقيد الغالي كان رجلاً بمعنى الكلمة في قيادة مسيرة فترة هامة في تاريخ الصحافة، ليس في المملكة أو في منطقة الخليج وإنما في المنطقة العربية أيضاً..
** ولذلك استطاع تركي (يرحمه الله) أن يتصدر المشهد طوال حياته بمساندة صادقة وأمينة من أقوى المنافسين له لأنه كانت أمامنا رسالة هامة وجليلة تتصل بصورة هذا الوطن وتأمين سلامته وديمومة استقراره.
** وإذا كان «تركي» قد نجح في صناعة صحيفة قوية جمعت بين الرؤيتين المهنية والثقافية.. وساهم بفاعلية في التأسيس لجماعة النخبة في هذه البلاد من خلال مدرسة الصحافة الحديثة التي أنشأناها سوياً.. فإنه كذلك خدم الصحافة أيضاً برفدها بأعداد كبيرة من الصحفيين الشباب المتميزين لإكساب صحافتنا «نكهة» وطنية بحتة رغم صعوبة البدايات في هذا الاتجاه.. كما يعرف هذا رفاق المرحلة، وفي مقدمتهم أخي أبوبشار الذي تسلم قيادة المسيرة في الآونة الأخيرة رئيساً لاتحاد الصحافة الخليجية ولهيئة الصحفيين السعودية إضافة إلى رئاسة تحرير صحيفة الجزيرة.
** لقد خسر الوطن بوفاة الحبيب تركي.. قامة هامة وشخصية ودودة.. ومثقفاً كبيراً.. ومهنياً رفيع المكانة تُدرس أعماله.. ومنجزاته.. وتذكر سيرته كجزء من تاريخ هذه البلاد ورجالها الذين أسهموا بجهد وفير في تحقيق النقلات الواسعة في مسيرتها.
** وقد خسرتُ أنا شخصياً.. رفيق درب جمعت بيننا «المودة» الصادقة.. وحب هذا الوطن و»عشق» المهنة لسنوات طويلة.
** وليس أمامي وأمام الملايين من محبي الحبيب الغالي الذي فقدناه إلا أن نرفع أكف الضراعة إلى الله سبحانه وتعالى أن يغفر له ويرحمه.. وإلا فإن ذكراه لن تزول ولن تُمحى من عقولنا وقلوبنا ما دامت الحياة تدب في أجسادنا..
- بقلم/ د. هاشم عبده هاشم