هناك ثلاثة جوانب لافتة في مدينة أبها أولها سحر وبهاء المدينة فما أن يطل الناظر من على شرفة أحد فنادقها الفارهة المطلة على بحيرة السد حتى تملأ عينيه مكتسبات الجمال بحيرة على ارتفاع يزيد عن ألفي متر عن سطح البحر، شواهد التنمية متمثلا في الشوارع الفسيحة المحفوفة بالورود والأزهار وهذا ما يزيد نبض المدينة وأنسنتها، سحب مكتنزة بالخير تبشر بهطول المطر في أي لحظة ، مبان أنيقة غدت كلوحة فنان اختار لها الألوان بذوق رفيع، عربات معلقة كالنوارس تجوب سماء أبها في رحلات ماتعة، تسند المدينة جبال شامخة كي تكتمل لوحة الجمال، أما الجانب الآخر وهو الوعي المجتمعي والروح الأخلاقية لسكان أبها فهم بشوشون محبون لكل الزوار ويأتي هذا السلوك الحضاري في أعلى درجات التسويق السياحي حيث أن الطبيعة الآسرة والمناخ العليل ليس كافيين لجذب الزوار والمصطافين بل الإنسان هو الأساس في نجاح أو إخفاق السياحة، ولقد لمسنا نحن المدعوين لحضور مؤتمر الهوية والأدب الذي نظمه وبنجاح أدبي أبها قبيل أيام لمسنا البشاشة في ملامح المنظمين والأهالي، ولكون النادي الأدبي بأبها الذي أطلق عليه الأديب الأستاذ د.إبراهيم التركي «شيخ الأندية» أثناء إدارته إحدى جلساته العلمية لكونه تأسس بجهود أهلية في عام 1355 هـ بحسب الوثائق التاريخية فإن ذلك يزيد من قيمة مستوى الوعي لدى المجتمع الأبهي، وهنا نسجل تقديرا وإعجابا لنجاح فعاليات المؤتمر الذي شارك فيه عدد من النخب الأدبية والنقدية والثقافية على مستوى الوطن العربي بما يزيد عن 33 ورقة علمية معمقة وثرية تحدثوا عن الهوية من حيث السمات الأدبيات هوية السرد والمكان واللغة فتنوعت الأوراق لتقدم دراسات عن عدد من الأعمال السردية كرواية جبل حالية لإبراهيم مضواح وحزام أبو دهمان، والتشظى لعائشة أنور، الإرهابي 20 لعبدالله ثابت، الباب الطارف لعبير العلي، وروايتي هاتف وعتق لمحمد علوان/ ورواية اليهودي والفتاة العربية لعبدالوهاب آل مرعي، والهروب الأبيض لظافر الجبيري وحالية اللبن لكفى عسيري والحفر النقدي في شعرية الخطابات السردية والهوية المكانية وبناء الشخصية ، ليتوج المؤتمر أعماله بتوصيات تؤكد على أهمية الحفاظ على الهوية الوطنية المرتكزة على الدين واللغة والقيم مع تعزيز اللحمة الوطنية من خلال الأدب والفكر وصونها من أي اختراقات والانطلاق بها لبناء مستقبل مشرق مع الدعوة غلى إنشاء جائزة وطنيتقدر الأعمال الإبداعية، كما تم تكريم المبدعين من أبناء عسير كالأديب أحمد مطاوع لجهوده البارزة في كثير من اللجان الأدبية والثقافية والسياحية والاجتماعية ونشاطه الثقافي والأدبي بإصدار عدد من الدواوين الشعرية والكتب التاريخية وتكريم القصاص والشعراء والمسرحيين أمثال الدكتور عائض الألمعي وتركي العسيري و الدكتور حسن النعمي وعبدالله السلمي وإبراهيم شحبي.
هذا المؤتمر أحد الشواهد الحقيقية والهامة في الحراك الثقافي والأدبي والنقدي المتميز الذي سيخلد في الذاكرة المجتمعية كنشاط يستحق الإشادة خصوصا وأن انبثق عنه عدد من التوصيات ذات القيمة العلمية الرفيعة. ننعطف إلى الجانب الثالث كون التراث هو الذاكرة الحية التي تخلد الماضي بكل تجلياته وجماليات فكانت قرية رجال ألمع بكل موجوداتها شاهدا أنيقا ليس فقط في التشكيل العمراني الفريد والمبهج بل في الإنسان نفسه بعشقه للشعر والجمال والطبيعة ليضفي إبراهيم طالع وعلى مغاوي جمالا فوق المال بفك مكنونات القرية القديمة ومسكوكاتها الذهبية لتكون المعلومات شفهية عن حياة السكان السابقين وبطولاتهم ومواقفهم وأساليب حياتهم واختيار المكان لتبقى القرية خالدة على مر الزمان بل لتصبح أحد أبرز المواقع التراثية والسياحية في المنطقة الجنوبية يأتيها الزوار والمصطافون استمتاعا برؤية لحظ عينيها وبها ملامحها ، شكرا لمجلس إدارة النادي الأدبي فردا فردا ولكل أعضاء اللجان العاملة ونخص رئيس النادي الدكتور أحمد على آل مريع ونائبه رئيس اللجنة العلمية الأستاذ الدكتور محمد أبو ملحة شكراً لأبها المدينة التي منحتنا الجمال على مدى ثلاثة أيام ونحن نمتح من تلك الفتنة الربانية التي أوجدها الخالق فوق ذرا جبال عسير.
- جمعان الكرت