اجتمع بعض الأدباء وأشياعهم فى مدينة أبها على هامش مؤتمرهم الدوري، وكالعادة كانت العزلة مع المجتمع هي الصفة السائدة فى هذه المناشط ،حضرت قامات ولا شك ودشنت إصدارات،
وجاء مع القوم كالعادة أدعياء الثقافة والأدب كضرورة حياتية تتطلبها الصورة والتي لا تكتمل إلا بهم .
العزلة هي نتاج طبيعي لفوقية الأديب وعدم قدرته على الانسجام مع الشارع وإنسانه ،قد يكون ذلك لانحدار ذائقة الإنسان العربي ووصولها إلى مستويات دنيا جعلته لا يستطيب طعم أطايب اللغة على مختلف أشكالها ونتاجاتها .
سبب آخر يجعل الأديب ونتاجه الإبداعي بضاعة مزجاة عند السواد الأعظم من الناس .
وهو خلط العامة والخاصة بين مصطلحي المثقف والأديب،والتي تجعل من الأول أصلا والثاني تبعا له، في حين أن القاعدة تقول إن الأديب هو الأساس المنتج للإبداع والمثقف ماهو إلا وكيل حصري يقوم بتوزيع هذا المنتج وتسويقه على الناس.
بعض العاملين فى حقل الثقافة يرون في أنفسهم مشاريع ومنجزات أدبية تستحق أن يشار إليها بالبنان ،وهم في الحقيقة مجرد مستهلِكين لروائع وإصدارات بعض الأدباء القدامى والمحدثين ،هذا الأمر أو هذا الخلط أفقد الأديب الحقيقي شيئا من وهجه إن لم يطفئه ، إضافة إلى كثرة المتسلقين من أدعياء الفكر والثقافة والذين استولوا على المشهد الثقافي والإبداعي في كل مكان ،فالأندية الأدبية مراتعهم ،والصحف والتلفزيونات منابرهم ،وإصداراتهم المعلبة زادهم ومتاعهم .
هذه الوجوه تتكرر في كل مناسبة مستحوذة على المشهد مصادرة كل مشاريع الإبداع الأخرى ،متخذة من كل مطيع يأتمر بأمرها وينتهي بنهيها مشروع أديب أو مثقف قادم ليستوطن الساحة بإرث وتقاليد الراضين عنه في هذا المجال .
أزمة الأديب يصنعها أولا بعض أنصاف المثقفين والمحسوبين على الثقافة ،والأندية الأدبية هي الأخرى تساهم في ذلك كونها أصبحت مناطق تحتكرها أسماء حصرية في ذاكرة الزمان والمكان والإنسان كونها مستحوذة
على المشهد الثقافي
وتديره بمفاهيمها العقيمة وديكتاتوريتها الناعمة .
الأديب الحقيقي في مجتمعاتنا مغلوب على أمره فهو أسير لإرادة صناع الثقافة وما يريدون ،ولأن نتاجه أصبح في ظل الثقافات الواردة، قديما رتيبا لايتماشى مع العصر واحتياجات إنسانه.
الأديب في ظل نكران المجتمع له ،وغياب أو تغييب التعاريف التي تحدده وتقدره أصبح معزولا عن الناس، نتاجه لا يظهر إلا من خلال نافذ يدمغه بصلاحياته وحضوره وتنفذه وماله .
الأديب الحقيقي في مجتمعاتنا العربية في أزمة حقيقية فهو إن حضر أرخص موجود وإن غاب أتعس مفقود !.
- علي المطوع