-1-
نشرتُ بعد اللقاء التلفزيوني الأول مع الأمير محمد بن سلمان (الذي بثّته قناة العربية في 25 أبريل 2016م) مقالةً قصيرةً تحدّثتُ فيها عن العوامل التي برزت على سطح اللقاء؛ فدفعت كثيراً من السعوديين (حتى في مجالسهم الخاصة) إلى التفاؤل بالمستقبل في ظلّ رؤية السعودية 2030، وختمتُ تلك المقالة بالإشارة إلى أنّ تفاؤلَ المواطنين بالرؤية من العوامل المهمة في تحقيق نجاحها، وفي المقابل يمكن أنْ نقول إنَّ فشل خطط الرؤية، أو تعثّر تطبيقاتها وبرامجها، أو عدم تفاعل القائمين عليها مع أسئلة المواطن حولها سيفضي بنا إلى الضدّ، ولن يكون في مقدور أحدٍ وقتها النهوض بمجتمع يائس مثقل بالخيبات !
وبعد عام وأيام معدودة من ذلك اللقاء بُثّ اللقاء الثاني مع الأمير محمد بن سلمان على القناة السعودية الأولى (2 مايو 2017م)؛ ليكون امتداداً للقاء السابق، وليغطي جملة من الأسئلة حول البرامج التي طُرحت فيما بين اللقاءين، إضافة إلى جوانب متعلّقة ببعض الملفات السياسية.
وكما هو الأمر في أعقاب اللقاء الأول فقد رصدتُ بعد اللقاء الثاني – من خلال تويتر - ارتفاعاً واضحاً في معدّل التعبير عن القناعة بأهمية الرؤية، خاصة من بعض الحسابات المتخصّصة التي كانت تعبّر عن الضدّ قبل أيام قريبة من عرض اللقاء، ربما بسبب تراكم أسئلتها وندرة الإجابات الكافية عنها !
هذا يعني أنّ مستوى الثقة بالرؤية والاطمئنان إلى برامجها يرتفع كلما اقتربنا من زمن الحديث المباشر للأمير محمد بن سلمان، ثم يقلّ أو يتراجع حين نبتعد عنه بسب تخلّق أسئلة جديدة حول برامج الرؤية لا تجد لها في المقابل إجابات كافية من الوزراء، بل ربما قوبلت من بعضهم بإجابات غير موفّقة، لا تصبّ في مصلحة الرؤية ولا تؤصّل اقتناع النّاس بها. والسؤال المهمّ هنا: لماذا ترتفع نسبة الثقة بالرؤية والاطمئنان إلى برامجها كلما خرج الأمير محمد بن سلمان متحدثاً عنها في لقاء حواري تلفزيوني ؟ وما سبب تراجعها بالتدرّج بعد ذلك ؟
-2-
إنّ الإجابة عن هذين السؤالين تأخذنا إلى جوانب متعدّدة :
أولها : الشخصية المتوازنة التي يظهرها الأمير محمد بن سلمان في لقاءاته، فرغم حماسته (التي نعرفها جميعاً) للرؤية، واهتمامه بتفاصيلها الدقيقة، يبدو محافظاً في الحديث عن نجاحها، ومتوازناً في التبشير بنتائجها، ففي لقائه الأخير أشار – بشكلٍ مباشر وآخر ضمني - إلى صعوبة القطع بنجاح برنامج من البرامج قبل انطلاقته حتى مع دقّة التوقّعات حول نجاحه، ووَصَف بعضَ البرامج بـــ (المركّب) و(المعقّد)، وبعضَها الآخر بـــ (التحدي الصعب)، وعلّق نجاح أحدها (وهو الترفيه والسياحة) على المواطن بنسبة 100% !
مثل هذه الشخصية تبني في المتلقي قناعة بأنه أمام رؤية حقيقية لا دعائية، وأنّ حديث الأمير محمد بن سلمان عنها حديث (مكاشفة) أكثر منه حديث (تسويق)، وأقدّر أن يكون هذا التوازن في الحديث عن الرؤية واحداً من أهمّ العوامل في بناء الثقة الشعبية بها !
وثانيها : قدرته على إقناع المتابع بإجابات لا تحتمل التأويل، لكونها تستند إلى إثبات قاطع، أو نفي قاطع، أو توسّع في الشرح، أو اعتذار عن التصريح بأرقام أو نسب قبل طرح البرنامج، إضافة إلى تحديد جدول زمني قصير لإطلاق البرامج، وجدول آخر لتحقيق أهدافها أيضاً .
وثالثها : اعتماده على لغة الأرقام، وهي لغة تشفّ عن استيعاب جيد للواقع من جهة ولآفاق الرؤية من جهة أخرى؛ لذلك خلقت لغته في ساعة واحدة مساحة جيدة من الاطمئنان لدى كثير من المتابعين، وملأتهم ثقة بأنّهم أمام تبصّر جيّد بهذا الملفّ، منطلقاته وأدواته ومآلاته !
ورابعها : إجابته عن بعض الأسئلة بطريقة نجحت في إقناع المتلقي بمصداقيتها، فمثلاً حين تحدّث عن الأمر الملكي بإعادة البدلات والمكافآت والمزايا المالية ربطه بتحسّن الإيرادات، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى احتمالية إيقاف هذه المزايا مستقبلاً متى احتاجت الدولة إلى إجراءات مماثلة (وصفها بالتقشّفية وربط الحزام)، وهذا يؤكّد للمتابع البعدَ الإجرائيَّ في الإيقاف ورفعه، وينأى به في الحالين عن التوصيفات العاطفية المكرورة، ويجعله شريكاً في بناء (سيناريوهات) واقعية للمستقبل .
إنّ لقاءً محمّلاً بكلّ هذه السمات والمعطيات هو الأقدر – من وجهة نظري - على إقناع المواطن بأهمية الرؤية ومستقبلها، بل الدفع به ليكون في مقدّمة العوامل المساعدة على إنجاحها، ولو من جهة تقبّل برامجها، وتحمّل ما ينتج عنها من أعراض !
-3-
إنّ اتساع القناعة بأهمية الرؤية وبرامجها كلما ظهر الأمير محمد بن سلمان يعبّر عن حاجة الرؤية إلى مسؤولين تنفيذيين تواصليين، لديهم القدرة على مواجهة (الكاميرا)، واستدراج اهتمام المواطن، والتفاعل مع أسئلته، وإقناعه بلغةٍ تخاطب عقله، دون أن تتخلى عن البعد العاطفي الذي سيظلّ حاضراً مهما حاصرناه .
وليس هذا وحسب، بل يعبّر عن حاجة الرؤية إلى خطّ إعلامي يوازيها، ويعبّر عنها من خلال تقديم نشاط إعلامي جديد، وتقع المسؤولية الكبرى في هذا الملفّ على مؤسساتنا الإعلامية ولا سيما الرسمية، التي لم تقدّم حتى هذه اللحظة خطة واضحة تنهض بهذا المتطلّب المهمّ !
والسؤال هنا : هل نحن بحاجة إلى متحدّث رسمي باسم مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، يقوم بوظيفتين من أصلٍ واحد، أولاهما: رصد الأسئلة أو الأسئلة النقدية التي يطرحها المواطنون حول الرؤية وبرامجها ومن ثمّ تمريرها إلى المجلس، وثانيتهما : الإجابة عن الأسئلة الملحّة، والتوسّع في شرح ما يحتاج إلى شرح، وإيضاح ما يحتاج إلى إيضاح ؟
وبصيغة أكثر رحابة : هل نحن بحاجة إلى لقاء تلفزيوني سنوي للأمير محمد بن سلمان يقدّم من خلاله للمواطن موجزاً عن عمل الرؤية، وإجابة كافية عن أسئلته حول مستجداتها ؟
يظلّ هذا السؤال مفتوحاً، لكن المؤكد أنّ أسئلة المواطنين جزءٌ مهمّ من تفاعلهم مع الرؤية، بل يمكن أن تكون عاملاً مساعداً على تصحيح تطبيقاتها متى أُخِذَت بقوّة، وأحسب أنّ الاهتمام بها سيخدم الرؤية أولاً وقبل كلّ شيء، وربما أتاح للمواطنين فرصةَ المشاركة (ولو بنسبةٍ ما) في صناعة مستقبلهم الثقافي والاقتصادي ! (وفي مقالة السبت القادم حديثٌ عن جانبٍ آخر من اللقاء).
- د. خالد الرفاعي