«الجزيرة» - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية:
تمثل العمرة أحد أهم محركات النشاط السياحي غير المستغلة، ومن أهم الأدوات التي يمتلكها صانع القرار بالسوق المحلي، وتعد نموذجاً للسياحة الدينية التي تستمر طوال العام، ورغم أنها ترتبط بالمنطقة الغربية فقط، إلا إنها يمكن أن تكون محركاً للنشاط السياحي بشكل قوي، فالمملكة تتبنى حالياً تطبيق تقييد أعداد المعتمرين وتربطهم بمواسم معينة وزيارة مناطق معينة.
ولو أتيجت الفرصة لملايين المعتمرين الذين يزورون المملكة خلال العام بزيارة المدن السعودية الأخرى سيكون قطاع السياحة أول المستفيدين من هذه الخطوة من خلال تنامي الإيرادات، ويمكن أن يسمح للمعتمر بزيارة جميع المدن السعودية، وليكن ذلك عبر برامج سياحية أو تسويقية، كحال المعتمرين الخليجيين.
وترى وحدة الأبحاث الاقتصادية بـ«الجزيرة» أن إعادة النظر في فتح الباب للمعتمرين بزيارة مدن المملكة المختلفة وما يتحقق من ذلك من عوائد يمكن أن يعوض جزءاً مهماً من المفقود في الكثافة الدائمة للوافدين، مع الفارق بأن المعتمر دائماً ما يجهز نفسه لدورة إنفاق مالي أو سياحي مرتفع، على عكس المقيم الذي يجهز نفسه لدورة ادخار مالي مشدد.
ظهرت أخيراً تقارير تثير المخاوف من تقليص أعداد الوافدين بالسعودية، على اعتبار أن هذا التقليص قد يؤثر سلباً على حركة النشاط الاقتصادي بالمملكة وخاصة على سوقي العقار والتجزئة.. وبالفعل يمكن أن يكون لهذا التقليص أثراً سلبياً على ضعف معدلات حركة النشاط السوقي والاقتصادي في قطاعات بعينها، أهمها قطاع المساكن وخاصة قطاع الإيجارات، والقطاع الثاني هو قطاع سوق التجزئة.. فالانتشار الكبير لهذين القطاعين قائم في مرتكزاته على كثافة السكان، بما فيهم الوافدون.
إلا إن هذا التحليل يتناسى القطاع السياحي الذي لا يعمل بطاقته القصوى، بل هو مقيد باشتراطات وقيود صعبة تعيق حركة وتدفقات السياحة الوافدة سواء في شكل سياحة أعمال أو السياحة الدينية أو زيارة الأصدقاء أو الأقارب.
فسياحة الأعمال أو المؤتمرات يمكن أن تحقق للمملكة إيرادات ورواجاً اقتصادياً في سوقي التجزئة والعقار تفوق ما يمكن أن تقدمه الكثافة السكانية للوافدين.
ولنسأل سؤالاً مهماً: ما الفرق بين الوافد المقيم وبين فتح تسهيلات في سياحة الأعمال في شكل زيارات تجارية أو زيارات مؤتمرات أو غيرها؟ كلاهما مقيم وكلاهما ينفق في السوق المحلي، وكلاهما يطلب خدمات سكن، وكلاهما يستخدم خدمات سوق التجزئة، ولكن المقيم الوافد بعقد دائم هو مقيم بأسرته غالباً ويستفيد من كل خدمات البنية التحتية وربما يضغط عليها وربما يتسبب في استهلاكها، أما الوافد الزائر والذي تسمح النظم الحالية بأن يقيم لسنة أو ثلاث سنوات أو غيرها فهو شريحة عالية الدخل وغالباً لا يقيم بأسرته وبالتالي لن يستهلك البنية التحتية.
أهم قيد على الإقامة الدائمة للوافدين في ظل النظام القديم هو الضغط على عناصر البنية التحتية من طرق ومياه وصرف وكهرباء وبنزين وغاز وسولار، فقد يكون من الصعب فصل المواطن عن المقيم في الاستخدام المدعوم لهذه البنية التحتية والموارد النادرة في كثير منها.
لذلك، فإن تعديلات النظام الحالي للتأشيرات وفرض رسوم على المرافقين تكتسب أهمية في ظل السعي لتعويض جزء من القيم المفقودة نتيجة الإقامة الدائمة للمقيم بأسرته ومرافقيه، ولنعطي مثالاً بخدمات الأحوال المدنية التي تقدم مجاناً، فهذه الخدمات هي خدمات تتكلف أموالاً ضمن موازنة الدولة، ومثلها خدمات الطرق والمرور والداخلية والشؤون البلدية من نظافة وصيانة وتشغيل، جميعها خدمات تتحدد قيمتها بحسب عدد السكان المقيمين. لذلك، فإن سياحة الأعمال والمؤتمرات والتأشيرات التجارية وتأشيرات العمل عموماً تعوض جزءً مهماً من الإقامة الدائمة، وتلعب دوراً مهماً في تحقيق انعاش دورة النشاط الاقتصادي لقطاعات السكن والتجزئة، دونما تضغط على البنية التحتية.