في كتابة هذه المقالة وقبل أن نتحدث عن مقالة الشيخ ناصر العُمري «رحمه الله» فلا بد أن نعرف قليلاً عن هذه الشخصية، فالشيخ ناصرالعُمري ((1342هـ-1435هـ)) من أهالي ووجهاء وأعيان بريدة ورمز من رموزها المفكرين، فالشيخ ناصر رجل علم وفكر ومعرفة وتاريخ وهو من الأوائل الذين خدموا في التعليم في بريدة وتخرج على يديه أساتذة ورجال أصبحوا في مناصب قيادية، وهو من بيت علم ودين وسابق لعصره بعلمه وفكره، ولا يمكن أن نعطيه حقه في هذه المقالة، فنحن نحتاج إلى كتاب لنتحدث عن هذه الشخصية ونُعّرف بها القارئ الكريم وهو الذي لم يبخل بعلمه وفكره على مدى أكثر من ستة عقود، وكنت أعرفه وأنا صغير ولا أعلم بأن هذا الرجل الذي أمامي موسوعة علمية شاملة، رحمك الله يا شيخنا، ونعود إلى مقالته حيث كتب هذه المقالة التاريخية في مجلة علمية فصلية «مجلة العرب» سنة 1398هـ شهر «رجب وشعبان» جزآن في ثماني صفحات بالمجلة لنأخذ للقارئ الكريم بعضاً منها حتى لا نطيل عليه، فمقالته تحتاج إلى ندوة تاريخية لتغطية ما تناوله من أحداث تاريخية مفصلة، حيث قال في مقالته نصاً ((الاطلاع على الحوادث التاريخية التي تستحق التسجيل للتاريخ والتجرد عند تسجيلها من أية نزعة أو غرض يؤثر على تصويرها كما وقعت، من الأمور المهم توفرها في المؤرخ، ولكن أين هذا المؤرخ المتجرد الخالص من الهوى المؤرخ الجبرتي أنصف الدعوة التي قام بها الشيخ محمد بن عبدالوهاب «رحمه الله» وأنصف آل سعود بعيداً عن النزعة المؤثرة متجرداً من الهوى)) (في مقالته هذه يرد على د/ عبدالله العثيمين «رحمه الله» في بحثه (الندوة الأولى لتاريخ الجزيرة الجزء الخاص بتلك الندوة حول اعتبار الشعر العامي مصدراً من مصادر التاريخ) حيث أراد د/ العثيمين أن يتخذ من الشعر النبطي مصدراً من مصادر تاريخ نجد ويعتد به ويوثّق به، أما الشيخ ناصر العُمري فيقول نصاً (والحقيقة أن الشعر الشعبي سجل حافل بحوادث الدهر، لكن الشعر كمصدر للتاريخ يحتاج إلى إنصاف الشاعر لخصمه والمحافظة على نص قول الشاعر، وبعض الشعراء ينصفون خصومهم وآخرون يحطون من قدر خصمائهم (من هنا نجد بأن د/ العثيمين يرى بأن أي معركة أو حدث تاريخي ولم يوثق لها إلا بالشعر (قصيدة في وصف الحدث) ولا يوجد أي مصدر آخر من وثيقة أو مخطوطة لا تهمل ولا تترك بل يؤخذ بها، فالشيخ العُمري له بعد آخر ورأي علمي خلاف ذلك، بأن نعرف صاحب القصيدة الشعرية ودراسة شخصيةائلها هل يعتد به ونأخذ بقصيدته ونجعلها مصدراً لهذا الحدث التاريخي دون النظر والتحليل لنجعل من شعره وثيقة تاريخية، ونقول بأنه يوجد كثير من الشعراء يعطي وصفاً كاملاً لمعركة تاريخية سواء بالهزيمة أو النصر دون ذكر أسباب المعركة ولا نعرف عن هذا الحدث التاريخي وتوثيقه إلا بهذه القصيدة مما يفقد قيمة الحدث وإعطاء صورة غير كاملة لهذا الحدث التاريخي، وذكر الشيخ ناصر العُمري بعض الاحداث التاريخية والمعارك للاستدلال بذلك، حيث إن لها روايات متعددة ومختلفة، حيث طرح أمثلة على ذلك رداً على د/ العثيمين بحدثين تاريخيين من أحداث القصيم وهي جزء من تاريخ منطقة نجد، موقعة بقعاء (1257هـ) وموقعة الصريف (1318هـ)، ونجد الشيخ ناصر العُمري توسع كثيراً في تفاصيل هذين الحدثين التاريخيين في مقالته العلمية التاريخية وطرحه لعدة مصادر لهذين الحدثين من تاريخ القصيم المعاصر من اختلاف الآراء والأقوال والتأكد من صحتها، راسماً صورة المجتمع وموقفهم جاعلاً القارئ كأنه يعيش هذا الحدث التاريخي لكثرة الأقوال والمصادر مما يجعل القارئ والباحث للتاريخ المعاصر يوثق هذه المصادر ولا يعتد بمصدر واحد «الشعر النبطي» لفقدانه» قيمة الحدث التاريخي ونختصر بالاستشهاد للقارئ الكريم بحدث واحد (موقعة بقعاء) والذي استشهد بها الشيخ ناصر العُمري بالرد، دون أن ننظر في التفاصيل والإسهاب والتوسع التاريخي الذي ذكره الشيخ العُمري وطرحه بذلك من أجل أن يعرف كل مهتم وقارئ للتاريخ المعاصر.
ونقول تعدد الروايات واختلافها والتأكد من صحتها ورواتها ونقلها كما هي تعطي وصفاً تاريخياً كاملاً وليس كل الأحداث الكبرى في منطقة نجد وثقه توثيقاً يستحق الحدث، فهذه معركة المليداء بالقصيم (1308هـ) وهي معركة كبرى وفاصلة في تاريخ نجد راح ضحيتها أكثر من ثلاثمائة شخص لم يعط حقها تاريخياً وهذا فتح الرياض (6 شوال 1319هـ) على يد الإمام الملك عبدالعزيز «طيب الله ثراه» لم يعط حقه تاريخياً حيث ضحى بنفسه وماله ورجاله المخلصين من أجل اهداف سامية ألا وهي استرداد ملك آبائه وأجداده، فتم له ذلك بعد أربعة عقود من الزمن، فالملك عبدالعزيز وآباؤه وأجداده الأئمة «رحمهم الله» جزء لا يتجزأ من تاريخ منطقة نجد خاصة والجزيرة العربية عامة، ولم ينصفهم التاريخ على أكثر من قرنين من الزمان والدور الريادي الذي قاموا به في الجزيرة العربية من استقرار اجتماعي وأمني، وكثير من المفكرين والعلماء والباحثين في التاريخ لهم آراؤهم وفكرهم من أجل إثراء التاريخ ونعتذر لشيخنا ناصر العُمري «رحمه الله» على اختصار مقالته العلمية التاريخية من أجل القارئ الكريم وللدكتور عبدالله العثيمين «رحمه الله» على طرحه وبحثه التاريخي بإثراء المكتبة.
وبالله التوفيق
ناصر بن إبراهيم الهزاع - الرياض / حرس الحدود