«الجزيرة» - محمد المرزوقي:
غيب الموت يوم أمس الكاتب الصحفي والشاعر ثامر الميمان -رحمه الله- الذي تعرض لأزمة صحية ألزمته العناية المركزة، لازم على إثرها السرير الأبيض منذ مساء الأربعاء الماضي، بمستشفى الملك فهد للقوات المسلحة بجدة، حيث أديت الصلاة عليه بعد صلاة العصر في المسجد الحرام في مكة، وتمت مواراة جثمانه الثرى في مقبرة المعلاة، بعد مشوار مع الكلمة الحافلة بالعطاء الثقافي، متخذا من الكلمة أول أدواته الناقدة، ومدادا لرسالته التي آمن بها في حياته، ليقدم لذاكرة المشهد الثقافي مسيرة مع الكلمة التي تنبض بهموم الحياة اليومية، فلقد أمضى الميمان عشرات السنين في مشواره الصحفي وأعطى الصحافة كل وقته، عبر زاويته الشهيرة «رزقي على الله» التي أصبحت وسما لحسابات على شبكات التواصل الاجتماعي التي يأتي في مقدمتها (فيس بوك) و (تويتر) التي فتح من خلالها نوافذ أخرى أشرعها الميمان على هموم الحياة اليومية برؤى مختلفة في الوسيط ولم تختلف عن الوسط الذي جعله غايته ومقصده مما يكتب عبر مقالته أو عبر حساباته الشخصية.
لقد تجاوز الميمان إعطاء جل وقته للصحافة، إلى أن يعطيها حياته كلها، إذ إن ما يتميز به فيما يكتب المتابعة اللصيقة للحياة الاجتماعية اليومية، راصدا الكثير من تفاصيلها، التي سعى - أيضا – أن يضمن جوانب من همومه الكتابية مؤلفات، تظل في ذاكرة المكتبات وبين أيدي القراء مساحات أخرى من اللقاء بهم عبر ذاكرة الكتاب، إذ كان من آخر إصداراته التي دشنها وبحضور عدد من أصدقاء الكلمة والأدب والصحافة والإعلام احتفل الميمان في دار شادي زاهد للنشر والتوزيع في مركز فيرجين ميجا ستور بمجمع روشان مول التجاري بتدشين اثنين من مؤلفاته، إذ حمل الكتاب الأول عنوان: «مسموحات ممنوعة»، أما الثاني فديوان شعري بعنوان «في شي غلط» حيث ما يزال هناك ما دفع به الميمان إلى المطبعة خلال الأشهر الماضية، ضمن ما كان يضعه في دائرة اهتماماته التي كان في لقاءاته يكشف للقارئ والمستمع عن عزمه على مواصلة إصدار مما تحتفظ به أدارجه ليقدمها إلى القارئ في مؤلفات تأتي على جانب من جوانب اهتماماته بتنوع الحضور بين يدي القراء، مشيؤا في هذا السياق الذي يمده بالكتابة أن دراسته في الجامعة المصرية وتخرجه منها كان له أثر على قراءته وأسلوبه في الكتابة.
ولم يكن الميمان بعيدا عن حرك المؤسسات الثقافية رغم متابعته لما يدور على منابرها، ومن خلال ملتقياتها ففي أحد لقاءاته الصحفية عن سبب مقاطعته لها قال: أنا في الواقع لا أقاطع النوادي الأدبية «هم يقاطعونني» هم يدعونني لأقف شاهداً أو متفرجاً أو مستمعاً إلى محاضر، وأنا لست ضد من كانوا ضيوفاً على هذه النوادي الأدبية، ويشرفني أن أدعى إلى النوادي الأدبية ولكن هذا لأتحدث فقط في الطائف دعيت مرة في أمسية شعرية أنا والشاعر ماجد الثقفي وكانت أمسية من أجمل الأمسيات ولكني في الواقع أنا شاركت في أمسيات كثيرة خارج الوطن وهي كثيرة جدا؛ مردفا قوله عن رديف الأندية الأدبية - الصالونات الثقافية: الصالونات الأدبية هي حالة «للتفريغ» وللتشاور لكن في المجمل عندما يغادرون هذه المواقع مساءً إلى بيوتهم في الصباح يتحولون إلى رجال أسهم في الصالات ويتحولون إلى تجار ويتحولون إلى زوار ومناسبات وينسون ما حدث في الليلة الماضية، اعطني شخصاً واحداً يستطيع أن يقول أن هنا خطأ أو هنا حقيقة أو نحتاج هنا مساعدة.. فكلهم يتكلمون في الليل وحديث الليل يمحوه النهار!.
كما أختط الميمان لنفسه في كتابة المقالة الصحفية أسلوبا خاصا به، قال عنه وصفه في العديد من اللقاءات قائلا:»العامية التي أكتب بها أحيانا هي الأقرب إلى حس الناس ومن خلالها يمكن ترجمة أوجاعهم وأحاسيسهم بل هي القادرة على توظيف المفردة كما يتناولها الكثير، مشيرا في هذا السياق إلى أن لغة الناس هي معايشاتهم. وأنه يستطيع الوصول إليه بالعامية والفصحى، منطلقه في ذلك مبدأ قال عنه الميمان: ليس دوري تعليمهم ألف باء الكتابة أو الكلام، فدوري أن أضع نفسي حيث يعانون وأنقل مفرداتهم كما هي حتى لا تضيع وحدة الكلام أو المعاناة في دهاليز لعل وعسى وريثما!. هم موجودون في داخلي دون ان يستأذنوا قلبي أو عقلي! أما عن الحياة (الأسرية) فقال الميمان عنها في إحدى حواراته الصحفية: بدر أكبر أبنائي، وهو ملاح في الخطوط السعودية وابني فيصل متخصص في الحاسب الآلي ويعمل في إحدى الشركات الناقلة للخطوط السعودية، وخالد فني صيانة هياكل ومحركات طائرات، أما بنتي منار فهي طبيبة متخصصة في جراحة الأنف والأذن والحنجرة، أما محمد فهو من الأوائل في جامعة البترول، وبشائر في الثانوية العامة ولديها رغبة في الالتحاق بكلية الطب وخلف كل هؤلاء الأبناء هناك أم رائعة هي زوجتي أم بدر التي شاركتني في رحلة كفاحي طوال عمري ولها أكبر معزة وتقدير في قلبي.