على هامش معرض الرياض الدولي للكتاب، كنت مستقلاً الحافلة التي تنقل الزوار من وإلى مواقف السيارات، وهي خدمة جميلة جداً تحسب للقائمين على تنظيم المعرض، وأنا بانتظار الحافلة لتتحرك شدني حوار بين شخصين كانا يجلسان في المقعد الذي خلفي مباشرة، حيث كانا يتحدثان عن الازدحام الشديد والإقبال غير المسبوق على المعرض في ذلك اليوم، تساءل أحدهم قائلاً: ربما أصبحنا بلد المليون قارئ؟! أو ربما أن «الموضة» هي شراء الكم الهائل من الكتب لتعبئة المكتبة وتصويرها!
تذكرت حينها ذلك الكم الهائل من الإصدارات لكتاب سعوديين، وتذكرت بعض الإصدارات التي قمت بتصفحها قبل أن أعرض عن شرائها، إن أغلب الكتاب الجدد يعانون من «العجلة» في إصدار الكتاب الأول والثاني والثالث وإلى مالا نهاية، والدليل أن الكثير من أفكارهم قد أجهضت في مراحلها الأولى، ولا أبالغ إن قلت إنني تصفحت أحد الإصدارات المكون من قرابة المئة صفحة وكل صفحة لا تحمل إلا نصف سطر وربما أقل! لم يعد الكاتب يتعب نفسه ويبحر مع فكرته بقدر ما يستعجل وصول اسمه إلى أغلفة الكتب فيزاحم بكتابه على الرفوف آلاف الكتب!
تحدثت عن ذلك في لقاء تلفزيوني حين قلت للمذيع:
لا أزعم أنني كاتب فذ، ولكن هذا الكم الهائل من الإصدارات جعل الكثير من الكتب رديئة، لا من حيث المحتوى ولا الفكرة ولا حتى من حيث الإخراج الفني، فقد تحول الزمان، وأصبحنا في بلد المليون كاتب، وربما لا يوجد سوى عشرة قراء حقيقيين، وهنا أتحدث عن نوعية أولئك القراء الذين يقرأون بعمق، يتفحصون الفكرة ويقلبونها في أدمغتهم، ويعيدون البحث عنها في كتب أخرى تسعف شغفهم وهواجسهم وتعلقهم بها كقيمة «ذاتية» ربما يؤمنون بها لاحقاً وربما يقنعهم كاتب آخر بنفيها!
صعدت سيارتي أخيراً وذهبت للقاء أحد الأصدقاء في أحد المقاهي القريبة من موقع المعرض، وحين وصلت ذهلت من أولئك الناس الذين دلفوا إلى المقهى وبأيديهم (أكياس) المعرض والتي تخبئ في طياتها مقتنياتهم من الكتب، فسررت بذلك، حدثت نفسي عن شغف أولئك الناس بالقراءة للدرجة التي جعلتهم يقررون البدء في تصفح تلك الكتب في المقهى القريب، لكن سرعان ما عدت إلى فكرتي التي آمنت بها وهي أن القراء الحقيقيين يكادون أن يختفوا حين رأيت الكثير منهم يضع الكتاب إلى جانب كوب القهوة أو الشاي «وقد أضفت الشاي هنا حتى لا يغضب عشاقه» ثم تبدأ رحلة التصوير لغلاف الكتاب، وبعض العبارات المقتبسة من الكتاب، ثم تنتهي حالة القراءة عند هذا الحد!
أخيراً قال الشاعر مسلم بن وليد الأنصاري:
أبكاني الدهر مما كان أضحكني
والدهر... يخلط إحلاءً بإمرارِ
- عادل الدوسري