كنا إلى وقت قريب نرى الناس تقرأ حتى في صالات الانتظار بالمطارات ومحطات القطارات.. وحتى في صالات الانتظار بالعيادات الطبية.. كنا نجد الكتب والمجلات والصحف على طاولة تتوسط الصالة.. أو على رفوف بجانبها والناس يتسابقون لقراءتها..
واليوم لم نعد نرى إلا هاتفاً جوالاً بتلك الأيدي.. والكتاب صار يشكو الهجران، انصرف الناس عن المكتبات وعزفوا عن القراءة.. والكتاب إن اقتنوه فهو للزينة وربما للمفاخرة به فقط.. وهذا أقرب وصف لحالنا مع الكتب.. تفضل به الأستاذ الفاضل والكاتب المعروف الدكتور إبراهيم التركي في مقاله (بين الوعاء والوعي) بزاويته الأسبوعية في صحيفة الجزيرة.. عندما قال عن الكتب: (هي اليوم مرففة في مكتباتنا وفاءً لها لا حاجة إليها) وقال (ندلل مكتباتنا المنزلية ونتيقن أنها توشك أن تصبح زينة لمن شاء، فرجة وتراثاً لمن هوى جمع الآثار ، وذاكرة لمن شاء الاعتبار ، فهل بلغنا اليوم الذي صارت فيه مكتبة المنزل عبئاً على المكان وخارج حدود الزمان) نعم هناك انحدار كبير في القراءة.. وربما الجيل الناشئ اليوم لا يعرف شيئاً عنها.. هذا الجيل هو جيل الاختصارات والتكنولوجيا السريعة..
اتجهوا لما ينشر الكترونياً حيث السرعة والإثارة.. إضافة إلى سهولة الحصول على المعلومة ودون أن تكلفهم جهداً أو مالاً.. واعتمدوا عليه في ثقافتهم رغم سطحية تلك الثقافة.. وهذا مما أفقد الكتاب أهميته.. والناس ما عادوا يقدرون قيمة القراءة ولا يدركون أنها هي التي تميز الشعوب المتقدمة عن غيرها.. صرنا لا نقرأ ونحن أمة اقرأ وأحفاد من عشقوا القراءة وألفوا الكتب وأجلّوا المكتبات..
يقول الشاعر أبو الطيب المتنبي:
أعز مكان في الدنا سرج سابح
وخير جليس في الزمان كتاب
والجاحظ يقول:
يذهب الحكيم وتبقى كتبه.. ويذهب العقل ويبقى أثره وحتى تتضح لنا رداءة حالنا اليوم مع القراءة.. إليكم إحصائية صادرة عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) عن معدلات القراءة في الوطن العربي.. جاء معدل قراءة الفرد في العالم العربي (ربع صفحة) مقابل (أربعة كتب) للشخص الواحد في العالم..
تلك نتيجة مخيفة تنذر بجيل فقير الثقافة.. ضحل المعرفة.. وتستوجب تضافر الجهود لتعزيز ثقافة القراءة.. وغرس حبها في نفوس الشباب:
فالأسرة.. هي المسؤول الأول عن تعويد الطفل على القراءة منذ نعومة أظفاره.. بتوفير القصص المناسبة لسنه.. والتي لا تخلو من عناصر التشويق كالصور والألوان.. والحرص على وجود مكتبة بالمنزل تحوي كتباً متنوعة تناسب مختلف أعمار أفراد الأسرة.. وتقوم بتشجيعهم على القراءة باستمرار.. كرصد مكافأة رمزية لمن ينهي كتاباً.. ومناقشتهم حوله..
والمدرسة.. عليها أن تشجع الطلاب على القراءة كأن يطلب المعلم من الطالب بحثاً علمياً بسيطاً عن موضوع ما.. وأن تقوم المدرسة بتخصيص حصص للثقافة والمكتبة.. كذلك وأن تعتني بالأنشطة اللاصفية وأن تجعل للقراءة الأولوية فيها.. بالإضافة إلى القيام بمسابقات وأنشطة ثقافية لغرس عادة القراءة لدى الطلاب.. والمكتبات العامة.. مسؤولة أيضاً عن مساعدة الشباب على القراءة وتعزيز الثقافة لديهم.. فتقيم الندوات والفعاليات الثقافية من معارض ومسابقات كأنشطة جاذبة للشباب.. وختاماً.. أورد هنا مثالاً على الأثر الإيجابي للمسابقات ودورها في التشجيع على القراءة..
قبل بضعة أشهر رأيت في ابنتي اهتماماً كبيراً بقراءة الكتب لم أعهده فيها من قبل.. صارت تحرص على اقتنائها وتنهمك في قراءتها.. ولربما أنهت الكتاب في ساعات قليلة.. ولا قوة إلا بالله عجبت من أمرها - وهي التي لا تكاد تقرأ غير كتبها الدراسية إلا لحاجة ما - سألتها فأخبرتني عن مسابقة وطنية أقامها أحد المراكز الثقافية.. المسابقة اشترطت أن يكتب المتسابق عن الكتاب الذي قرأه وتأثر به ونال إعجابه..
بالنسبة لابنتي تقول: إنها وهي تبحث في النت والمكتبات.. أعجبتها كتب أخرى.. فابتاعتها أيضاً رغبة في قراءتها.. إذن.. بالحلول الممكنة.. وبالعزم وتعويد النفس على القراءة.. سنعيد مجد الكتاب وأهميته بإذن الله.