ماجدة السويِّح
في الستينات الميلادية وفي بداية البث التلفزيوني السعودي دأبت كبيرات السن آنذاك وبعض الفتيات على متابعة التلفاز ببرامجه ونشراته الإخبارية مع الحرص على تغطية وجوههن أمام الشاشة السحرية، ففي حضرة الضيف «الغريب» أسدلت النساء الغطاء على وجوههن تحسبا للضيف الغريب، لئلا يقتحم خصوصيتهن ويهتك سترهن من خلال تلك الشاشة العجيبة.
رحم الله جداتنا «حصة» و«مزنة» و«هيا»، اللاتي سبقن الويكيليكس بحدسهن، فرغم جهلهن بالتكنولوجيا استشرفن المستقبل في استخدام التلفزيون المنزلي للتلصص واقتحام البيوت من قبل الجواسيس دون استئذان، فكما للـ«حيطان» آذان، هن أجمعن بذكائهن الفطري أن للتلفزيون «عيون وآذان».
لم يدر بخلد أحد من الناس أن تتحول أدوات الترفيه التي نلازمها ليل نهار في بيوتنا إلى أدوات للتجسس وتقويض لخصوصية الأفراد، فأجهزة التلفزيون الذكية والهواتف الذكية في عصرنا الحاضر تجاوزت الغرض الذي صنعت من أجله من قبل بعض الشركات التي استغلتها لجمع المعلومات عن المستخدمين دون إذن، أو من قبل أجهزة المخابرات الأمريكية والبريطانية في التلصص على حياة الأفراد في منازلهم، فقد كشفت تسريبات الويكيليكس عن نشاط جهاز المخابرات الأمريكي «السي آي أيه» عن الاستخدام غير القانوني وغير الأخلاقي في التلصص على حياة الأمريكيين داخل منازلهم، عبر جهاز التلفزيون سامسونج، أو جهاز الآيفون من شركة آبل.
تقوم عملية التجسس على استغلال نقاط الضعف والثغرات في كل من أجهزة سامسونج وآبل لرصد حياة الفرد عن طريق الشاشة التي تسجل بالصوت والصورة ما يحدث داخل الأبواب المغلقة، وفي حال إطفاء الجهاز يمكن للتلفاز الاختراق وتسجيل الأصوات الصادرة من المنزل.
تحول التلفاز من أداة ترفيه إلى أداة تجسس هو تحول خطير وغير متوقع من قبل الشركات أو الحكومات التي استغلته في التلصص على الأفراد دون وجه حق، وتباينت ردود الفعل بعد التسريبات في حق الحكومات بالمتابعة والمراقبة للحماية من الإرهاب، ورفض الأفراد للمراقبة التي تنتهك حق الإنسان في حرية التعبير واحترام الخصوصية، فضجت الصحافة العالمية بالمستخدمين الساخطين على انتهاك الخصوصية من خلال أجهزة الترفيه، وتناولت الصحافة رأي العديد من الخبراء والمختصين في التحول الخطير لوظيفة التلفزيون، وكيفية الوقاية ومنع عملية التجسس من خلال التلفزيونات الذكية.
بالمقابل عمّ صمت المستخدمين في مجتمعنا عن الاهتمام بتلك التحولات الخطيرة لأجهزة الاتصال والترفيه، فلم يحظ الاختراق حقه في الطرح، والتوعية من تبعاته مستقبلا، إما لإيمانهم بأن الحماية ومنع الاختراق ضرب من الخيال، أو لاقتناعهم بالرؤية الاستباقية لجدتنا «حصة» في العودة لإرثها المدون بعنوان باب ما جاء في استضافة التلفاز «الغريب»، فكما تفوقت على الويكيليكس في استشراف المستقبل، تفوقت في التعامل وحماية البيوت من المتلصصين، وحجب الرؤية عن المخترقين.