د. محمد بن إبراهيم الملحم
اهتمت الوزارة في السنوات الأخيرة برياض الأطفال بافتتاح أعداد كبيرة منها وإنشاء نموذج مبان مخصص وبناء مبان كثيرة لرياض الأطفال وتجهيزها ببعض الأدوات والألعاب والمواد المعينة على التدريس النوعي، وكذلك تعيين المعلمات المؤهلات في تخصص رياض الأطفال بكليات التربية وبنصاب يلتقي قدر الإمكان مع أفضل الممارسات بنسبة معلمة ومساعدة لكل فصل وكل هذه مؤشرات مبشرة لاهتمام الوزارة بتحقيق إنجاز كمي ونوعي في هذا المجال المهم، وقد نجحت في هذا السبيل ولها الشكر الجزيل. أود هنا أن أشير إلى نقطتين مهمتين يجب الانتباه لهما، الأولى هي أن الجانب النوعي والثانية هي تحذير من داء أصاب غيرنا لا بد أن ننتبه إليه ألا يصيبنا، أما النقطة الأولى فأراها من خلال محورين: الأول هو تزويد الروضات باحتياجاتها من المواد والأدوات خاصة المتعلقة بالاستكشاف والإدراك، فهناك نقص كبير في هذا الأمر الحساس الذي بدونه لا يمكن للمعلمات تحقيق أي إنجاز وأما المحور الثاني فهو تأهيل المديرات (القائدات) والمشرفات التربويات بأحدث التوجهات النوعية في هذا المجال، لا لتطبيقها ورعايتها في المدارس الحكومية فحسب بل أيضاً لدعم وتشجيع الأفكار الخلاقة التي تبادر بها بعض المدارس الخاصة، فمثلاً كم مشرفة تربوية لدينا تلم بمنهج ماريا منتسوري في رياض الأطفال أو ربما تعلم عنه؟ وهو منهج ثوري في زمانه، ولا يزال يلقى نفس الاهتمام تقريبا في وقتنا الحاضر لما ينطوي عليه من بعد اجتماعي عميق في تنشئة الطفل ووضعه في سياق الحياة الطبيعية ليتعلم على نسقه الخاص به، وقل نفس الشيء عن بقية الجوانب المماثلة في هذا الشأن.
أما اللعب فهو قصة أخرى، فرياض الأطفال قوامها نظرية التعلم باللعب، ويظن المستمع أن المسألة لعب في لعب، وربما ذهب بعض من يمارسون التدريس إلى ذلك أيضاً وهو خطأ تربوي شائع، فاللعب في الموقف التعليمي له أصوله التي تجعله ذا معنى بالنسبة للمتعلم فيغدو ميداناً للاكتساب والتدرب والفهم والتفاعل وإدراك الذات أكثر منه مجرد صرف طاقة ومتعة ومرح، فاللعب وسيلة اجتماعية لتخليق الإبداع، نعم تخليق الإبداع في بذرته الأولى التي يرعاها اللعب المنظم وإدراك الطفل الاجتماعي لذاته ولمن حوله من الأشخاص أو الأشياء، المبدعون هم أناس ناضجون اجتماعيا قبل أن يكونوا متقدمين علمياً، فالمتقدم علمياً بما يملكه من مخزون معرفة أو قدرة ذهنية على التحليل والفهم لا يُقدِم على الإبداع والخروج من المألوف إذا كان منغلق الشعور أو فاقدا لوعيه بذاته، وهي مناطق لا يدخلها الفرد الذي كان في صغره طالباً في رياض الأطفال، فطفل الروضة يمارس جميع الأدوار الاجتماعية من التأمل والقيادة والتعاون والاستكشاف سواء بالحواس أو التجربة والخطأ كما أنه متقن لطرح الأسئلة لما يلقاه من تشجيع معلمته على هذا النهج ومتقن للتعبير عن ذاته للمناقشات التي يدخل فيها في جلسات الأطفال. وجريء في اقتراح أساليب الاستكشاف لكثرة تجربته الاستكشاف والتعرف الذاتي، وقادر على التعاون مع غيره لأنه يومياً يعمل في فريق الأطفال للوصول إلى حلول أو إبداع نماذج جديدة ومختلفة... أليس كل ذلك هو الإبداع بذاته؟
المراحل الأخرى من الابتدائية إلى الجامعية أرهقتها مشكلات عديدة أثرت فيها عبر الزمن فغدا إصلاحها والنهوض بها صعبا ومكلفا بينما رياض الأطفال مجال بكر لم يتلون بتلك المشكلات ولا زالت فيه مساحة للإبداع ينبغي للوزارة أن تغتنمها برعاية المستوى النوعي قبل أن تلونه ملونات صناعية قد لا تتمكن من نزعها مستقبلاً، وسوف أخبركم بواحدة منها في المقالة القادمة شكت منها الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 2009!