د. خيرية السقاف
حادثة اغتيال رجل الأعمال أحمد العمودي، جديدة في مجتمعنا، فغالباً كنا نقرأ عن مثل هذه الاغتيالات بهدف السرقة في البلدان العربية المجاورة والبعيدة، أذكر أنني في طلعتي وفي بدايات العهد بالكتابة، أن مرَّ بي خبر عن طفل في الخامسة من عمره تجنَّح مثل» السوبر مان» بقطعتين من قماش، وقفز بهما من علو عمارة كان يسكن فيها مع أسرته في مدينة «جدة»، ومات بعد أن تكسرت عظام جسده الغض، ولا أدري إن كان قَدَر مدينة جدة أن تكون فيها بدايات مأساوية كتلك التي حدثت، وكهذه التي جرت الآن؟!!
فأثر «السوبرمان» في نمذجة المَثل في أذهان الصغار كان نافذاً في ضوء غياب أية فكرة للتقليد على قدر ذلك الجنون، أو براءة في التفكير عن الاحتراز من ذلك الجنون.
ومضت السينما تفعل غوصاً في بنية أفكار الناس، وفي ضخهم بالخبرات السالبة، فعرفوا كيف يحيكون القصص الإجرامية، وماهية سبل الجرائم، وأساليب تنفيذها، وأخلاقياتها كالغش، والمراباة، والرشوة، والمداهنة، وبكلماتها المغلفة، وأشكالها، بل أوقاتها، وأدواتها، فنُظمت الجريمة، وسُلكت دروبها، ونهج المقلدون المقتدون نهج أبطال قصصها.. وقد كانت وبالاً، على مجتمع فطر على السلم النفسي، والسلام البيئي.. ولا تزال تواصل وبالها بتطور نهجها، وحداثة وسائلها، وتوسع أهدافها.
اليوم نجد في جريمة اغتيال «العمودي» نوعاً جديداً من الجريمة، مع أن الخطة فيما يبدو كانت واهية، وغير متقنة، وحبكتها مفككة، وذات ثغرات، إِذْ نسي المجرم القاتل أن خمسة عشر مليوناً في صناديق ورقية، واغتيالٍ بخنقٍ، ووضع المغتال في كيس، لن تُعجز رجال الأمن المدربين، ذوي الخبرة، والملمين بالسبل السريعة لكشف المجرم، وتفاصيل جريمته، إِذْ لم يتوانوا عن الإسراع لميدان الجريمة، وفك لغزها في مدة زمنية فارطة في السرعة، دالة على غباء المجرم، واستهتاره في آن.
ولعل من يتصدى لآثار الأخبار التي تتناقلها وسائل النشر بأنواعها، وتمكِّن الفئات المختلفة الأعمار، والوعي من الوقوف عليها، فيها ترد تفاصيل ما تقدمه قصص السينما، ومقارنتها مع الحوادث المستجدة في المجتمع ما يفتح نافذة علاج، ويضع بوصلة توقع لما يمكن أن يقع من تجاوزات سلوكية إجرامية، من أجل توعية الأفراد، والصغار، وشحذ حافز الوعي والحذر، والتنبيه إلى مسببات الجرائم، فلا مالاً يكون البيت مستودعاً آمن عليه من خزينة المصارف، ولا ثقة مفرطة فيمن يتعامل معه المرء في الشأن المالي، ويندرج تحت هذا كل ما يثير شهوة التملك والأخذ، ويحرك حاسة المقارنة، والحقد عند ضعيفي النفوس ومرضاها.
فكل جريمة دافعها مرض من أمراض النفوس لا ريب.
رحم الله أحمد العمودي، وعوضه جنة الخلد، وجبر مصاب أهله وأصدقائه ومجتمعه، ووفق رجال الأمن في كل موقف شهامة، وتمكن وإنجاز، كالذي يفعلونه.