د.علي القرني
الكثير منا يسأل أو يتساءل: ما دور السلطة الرابعة في مجتماعتنا العربية والخليجية على وجه التحديد؟ سؤال مشروع جداً في ظل المستجدات التي بدأت تعصف بهذه المجتمعات من مختلف الأنحاء، وخاصة منذ بداية ما سُمي بالربيع العربي 2011م. والربيع العربي كان مجرد سلسلة أحداث، ولكن المتغير الأساسي كان هو تلاشي الدور التقليدي لوسائل الإعلام التقليدية، وتنامي دور الإعلام الجديد بمكوناته المختلفة من شبكات تواصل اجتماعي ومواقع إلكترونية وبرامج تواصلية كواتساب وغيرها.
وتقليدياً أُطلق على الصحافة - تحديداً - ومنذ قرون مصطلح السلطة الرابعة، وامتد هذا المصطلح ليشمل باقي وسائل الإعلام التقليدية من إذاعة وتلفزيون. وخضع هذا المصطلح لدراسات كثيرة تختبر صدقية الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام في مجتمعاتها، وتختبر وظائفها الحقيقية.
وانطلاقاً من مصطلح آخر مهم في الدراسات الإعلامية هو «الوسيلة هي الرسالة» الذي استحدثه في أدبيات الدراسات الإعلامية مارشال ماكلوهان، فإن الوسيلة تصبح هي الرسالة بحكم سطوة التقنية على المحتوى، ولهذا فإننا - ورغم الانتقادات التي واجهها مالكوهان - ننادي بدراسة هذا المصطلح من جديد في ضوء المستجدات التقنية التي عصفت بكل نظريات الاتصال والإعلام.
وسبق أن أطلقت وربما غيري فيما بعد مصطلح السلطة الخامسة في بدايات نشوء الإنترنت وظهور شبكات التواصل الاجتماعي بحكم أنها سحبت كثيراً من السلطة الرابعة وظهورها من خلال جمهورها كسلطة جديدة (سلطة خامسة) في المجتمع.. وبرزت هذه السلطة بقوة بحكم أحداث الربيع العربي، لأنها شكلت قوة تأثير فعالة في مسار تلك الأحداث في حينها. وظهر مفهوم السلطة الخامسة بشكل جلي خلال أحداث تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، وبتأثيرات أقل على باقي الدول العربية.
وإذا عدنا إلى مفهوم السلطة الرابعة وما تبعه من قضم السلطة الخامسة منها إلى درجة ضعف واضح في هذا الدور، فإن المؤسسات التنفيذية في الدول العربية ساعدت كثيراً على هذا التلاشي التدريجي في قوة السلطة الرابعة، وهناك مؤشرات واضحة لهذا التعطيل المتعمد أحياناً، وغير المقصود أحياناً أخرى لدور وسائل الإعلام التقليدية في المجتمع وممارستها لدورها الوظيفي كسلطة في المجتمع.
وهناك جانبان مهمان في هذا التآكل الذي يحدث للإعلام التقليدي، أولهما من الحكومات والثاني من الحتمية التكنولوجية التي نعيشها وتأثيرها على وسائل إعلامنا. وللتوضيح أكثر، فإن التدخلات الحكومية في هامش الحرية لوسائل الإعلام التقليدية بدون سبب واعي يكون أحد تخبطات وسائل إعلامنا الذي تعيشه هذه الفترة، فمثلاً تنامت الضغوطات التي على الصحافة والتلفزيون تحديداً، وكلها تدخلات في السياسة التحريرية بزعم ظروف خارجية أكثر منها ظروف داخلية.
ومع ظروف الصحافة على وجه الخصوص والضغوطات الاقتصادية عليها، وقفت الحكومات وقفة الأسد الذي يريد أن يقضم الصحف واحدة بعد أخرى وتضييق المساعدات المالية لها، وبالتالي كأن الإحباط الذي تعاني منه المؤسسات التنفيذية من تداعيات مضامين الإعلام الجديد المفتوح، وهذا ما أرى تسميته في الوقت الراهن (الإعلام المفتوح open media ) لكون هامش الحرية فيه يصل إلى السماء، بينما هامش الحرية في وسائل الإعلام التقليدي تنعدم فيه الرؤية أحياناً. بمعنى أن الحكومات ساعدت الإعلام الجديد لأن ينتصر من الإعلام التقليدي، ولم تقف وقفة دعم ومساندة للإعلام التقليدي، فقد ضيقت هامش الحرية من جانب، وضيقت الخناق الاقتصادي على هذه الصحف سواء من معونات إعلانية أو من تكاليف توزيع أو من خلال اشتراكات وغيرها من المسائل التي تدر عوائد مادية تعود على الصحف.