سعد بن عبدالقادر القويعي
دموع محبيك ترجمت أحزان قلوبهم إلى مراثي أليمة، وزفرات أسى، حروفها الأحزان، وسفرها قلب مُضنٍ، وقافيتها اللوعة، والأسى، وبحرها من فيضانات العبرات. وحين تبسط مساحات الحزن ظلالها الكثيفة على أرواحنا المثقلة بهموم الحياة، فإنه سينسج من هذه الكثافة المعتمة صورة حزينة لقلوب جريحة بفقد عزيز عليه؛ لأن اتساع مساحة الفراق، وتباعد الأحباب، لا يُرجى معه عودة غائب، ولا لقاء راحل، ولا يبقى إلا اختزان ذكريات حزينة، تكاد لا تمحوها الأيام.
أيها الصامت في كبريائه.. والحاضر في ذِكراه.. إن فاضت روحك إلى بارئها تحف بها - إن شاء الله تعالى - رحمته، ورضوانه، فقد أبقيت بين الناس سيرة عطرة، ومكارم لا تنسى؛ لأنك نشرت معنى الوفاء نثرًا، كأزهار الروض بعطر الألفاظ، ونضير الجمل بعذب الكلمات؛ فتذكرت رثاءي الصادر عن فجيعتك الموجعة برثاء الرافعي في محمود محمد شاكر، الذي كانت عواطفهما تغمرهما، والانسجام يسود بينهما؛ حتى صارا كأنهما روح واحدة في جسدين، وهو يقول: «تحت الثَّرَى عليك رحمة الله التي وسعت كلَّ شيءٍ، وفوق الثرى على أحزان قلبي التي ضاقت بكل شيء. تحت الثرى تَتَجدّدُ عليكَ أفراح الجنة، وفوق الثرى تتقادم على أحزان الأرض. تحت الثرى تتراءى لروحِكَ كلُ حقائق الخلود، وفوق الثرى تتراءى لروحي كل حقائِقِ الموتِ».
من لحظات غروب الشمس النورانية البعيدة في ذلك المساء، وأنت تطل من الأرض إلى السماء، ومن دار الدنيا إلى منازل الآخرة، كانت لدي حزمة من الوقت، والذاكرة التي أتيت بها كلها، إلا أن كلماتي مهما بلغت بلاغتها، وحصافتها، فإنها لن ترقى أن تصل إلى هامتك المضيئة، ولن تُهوّن هول الفجيعة في أعماق قلبي، وقلوب محبيك؛ ولتجيبنا العيون بنثر مائها؛ من أجل أن تطفئ لهيب الذكريات الجميلة.
أبا همام.. استاذ الطب المشهور.. سأكتب عبرات من الكلِمَ لا يسكبها إلا قلب محب على صديق حنون، وسأحاول جمع انكساراتي من الألم الذي يسكن قلبي، وسأعزي نفسي بأنك انتقلت إلى مكان أنقى، وأطهر، وأصدق، وسأجسد معاناتي حروفًا، وصورًا، وسجلاً من الذكريات التي لم يبق لنا سواها، فالله أسأل أن يجعل قبرك روضة من رياض الجنة، وأن يمد لك في قبرك مد بصرك، وأن ينزل على قبرك الضياء، والنور، والفسحة، والسرور.