فضل بن سعد البوعينين
في عملية أمنية لافتة؛ نجحت الأجهزة الأمنية البحرينية في الكشف عن تنظيم إرهابي ضم أكثر من 54 إرهابيًا توزعوا بين إيران والعراق وألمانيا ومملكة البحرين؛ والقبض على 25 من أعضائه. رئيس نيابة الجرائم الإرهابية «أحمد الحمادي» أشار إلى أن « عمليات تنقل الإرهابيين إلى عدد من الدول كانت تنطلق عبر أحد قادة التنظيم في ألمانيا الذي عمل على تدبير إجراءات سفر عدد من أعضاء التنظيم إلى إيران والعراق للتدريب على استعمال المتفجرات والأسلحة النارية في معسكرات الحرس الثوري لإعدادهم لتنفيذ الجرائم الإرهابية داخل البلاد».
الكشف عن وجود أحد أعضاء التنظيم في «ألمانيا» يرفع أكثر من علامة استفهام حول جدية انخراط دول أوروبا في برامج مكافحة الإرهاب وتجفيف منابع تمويله؛ وحقيقة تنسيقها الأمني مع دول الخليج. خلال العقود الثلاثة الماضية؛ شكلت بريطانيا مركزًا لداعمي الجماعات الإرهابية في الخليج؛ والذين نجحوا في الحصول على اللجوء السياسي والدعم المالي والإعلامي والاستخباراتي أيضًا.
أحدثت عملية باريس الإرهابية العام الماضي؛ تغييرًا في تعاطي دول أوروبا مع ملف الإرهاب؛ وعمليات مكافحته؛ ورؤيتها تجاه منظمات الإرهاب المتغلغلة في دول الشرق الأوسط؛ وجعلتها أكثر وعيًا بمخاطرها؛ وعملياتها المنظمة التي لا يمكن محاصرتها في نطاق محدود؛ أو توجيهها لتحقيق أهداف استراتيجية دون التعرض لعملياتها المدمرة. وعلى الرغم من ذلك؛ ركزت دول أوروبا على إرهاب داعش حين انكشفت على عملياته؛ متجاهلة؛ في الوقت عينه؛ الإرهاب الإيراني الموجه لدول الخليج؛ الذي يُعتقد أنه المحرك الرئيس لتلك التنظيمات الإرهابية.
ولأسباب مرتبطة بارتفاع عدد القضايا القانونية ضد بعض الخليجيين الموالين لإيران في بريطانيا؛ تم التضييق النسبي عليهم؛ ما دفعهم للانتقال إلى دول غربية أخرى؛ كألمانيا على سبيل المثال لا الحصر؛ مشكلين فيما بينهم قاعدة دعم لوجستي للتنظيمات الإرهابية الخليجية التابعة لإيران. يبدو أن التسامح الغربي أسهم في تحفيزهم للتحول من الدعم الإعلامي إلى الانخراط العملي في التنظيم؛ وهو أمر قد يُرغم الأوروبيين على مواجهتهم؛ أو الحد من أنشطتهم العدائية.
سفير جمهورية ألمانيا الاتحادية لدى البحرين «الفريد سيمز بروتس» أكَّد أن «سلطات بلاده ستجري تحقيقًا حيال وجود شخص يقيم في ألمانيا ومتورط بأنشطة إرهابية تستهدف البحرين»؛ وهو أمر لم يكن ليحدث لولا التحرك البحريني المدروس والتغطية الإعلامية المحترفة.
إبراز دور أفراد التنظيمات الإرهابية القاطنين في دول الغرب؛ أو الداعمين لها؛ يمكن أن يكون أحد الحلول الناجعة للقضاء عليهم قانونيًا؛ وشل حركتهم؛ وإحراج الدول الحاضنة لهم. بناء ملف الادعاء على أسس عدلية محكمة؛ متوافقة مع معايير القانون الدولي؛ يجعل من الأحكام الصادرة لاحقًا أداة للتأثير الإيجابي على دول الغرب؛ ووقف دعمها واحتضانها للخارجين على القانون؛ والمنخرطين في تنظيمات إرهابية دولية؛ تحت غطاء اللجوء السياسي.
يمكن لملف «تمويل الإرهاب» أن يكون أحد أهم أدوات المواجهة المهمشة حاليًا. لا يمكن تنفيذ العمليات الإرهابية دون الحصول على التمويل اللازم لشراء الأسلحة والمتفجرات، تجنيد الإرهابيين وإيواؤهم، التغطية على أنشطتهم المشبوهة؛ وشراء الذمم والتجنيد. التمويل المالي عصب استدامة التنظيمات الإرهابية؛ وكلما انتشر أفراد التنظيم بين الدول كان ذلك أدعى لكشف العلاقة المالية بين الأعضاء من جهة؛ ومصادر تمويلهم من جهة أخرى. تحرص التنظيمات الإرهابية على التمويلات النقدية كجزء من منظومة الحماية الخاصة بهم؛ إلا أن تشعب خلاياها؛ وانتشار أفرادها قد يضطرها إلى استخدام وسائل التحويل الدولية؛ أو البطاقات الإلكترونية؛ وبخاصة البطاقات مسبقة الدفع. توثيق بعض العمليات المصرفية الدولية والمحلية المنفذة من قبل أفراد جماعات الإرهاب كفيلة برفع الغطاء الدولي عنهم تحت جريمة دعم وتمويل الإرهاب. بعض تمويل الجماعات الموالية لإيران يأتي من الداخل؛ أو من بعض دول الخليج تحت غطاء تجاري أو مساهمة إنسانية أو ربما جزء من وعاء «الخمس» الذي تستغله المرجعية الإيرانية للإنفاق على الحرس الثوري وعملياته القذرة الموجهة ضد دول الخليج.
تجفيف منابع تمويل الإرهاب في حاجة إلى جهود خليجية محكمة؛ ودولية شاملة؛ وتكامل أمني عالمي يضمن عدم السماح للتدفقات القذرة بالمرور من خلال شبكات التقاص الدولية؛ أو النقل؛ أو التبادلات التجارية التي تستخدم كغطاء لغسل الأموال القذرة وتمويل الإرهاب. التراخي الرقابي المتعمد من قبل بعض الجهات الأمنية الغربية قد يسمح بمرور الأموال القذرة لجماعات الإرهاب؛ لأسباب استخباراتية صرفة. الكشف عن بعض تلك العمليات كفيل بوقفها ومحاسبة منفذيها وتسليط الضوء على من يغض النظر عنها تعمدًا.
أختم بالتذكير بأهمية الإعلام في مواجهة الإرهاب الإيراني في المنطقة؛ ومواجهته في الدول الغربية وفق استراتيجية إعلامية مؤثرة. دور الجهات الأمنية المتميز في السعودية والبحرين في حاجة ماسة إلى دعم إعلامي محترف لوقف ماكينة الدعاية الإيرانية وفضح ممارساتها الإرهابية. المراهنة على الأدوات المحلية مراهنة خاسرة. تعتمد إيران على أكبر الشركات الإعلامية العالمية التي وفرت لها غطاءً لعملياتها القذرة حول العالم؛ وترصد من أجل ذلك ميزانيات مالية ضخمة نجحت من خلالها في اختراق أعرق المؤسسات الإعلامية العالمية؛ وبعض المؤثرين فيها من الكتاب والإعلاميين.
لا بد من خلق استراتيجية إعلامية خليجية موحدة تدار من قبل شركات إعلامية عالمية تخاطب العالم بلغته؛ وتتعامل معه بتفكيره وتستخدم آلياته الحديثة. الدمج بين العمل الاستخباراتي والإعلامي أمر مهم لضمان المخرجات الإيجابية. لا تقل المواجهة الإعلامية أهمية عن المواجهة الأمنية. يُفترض أن ترتكز المواجهة مع الإرهاب الإيراني على مرتكزات أربع؛ المواجهة الأمنية؛ السياسية؛ المالية والإعلامية. التقصير في أي من تلك المرتكزات يؤثر سلبًا على مخرجات المواجهة الشاملة. أؤمن بقوة الجانبين السياسي والأمني وفاعليتهما في تحقيق الردع الأمثل؛ وحاجة دول الخليج الماسة لرفع كفاءتها في جانبي مكافحة تمويل الإرهاب؛ والمواجهة الإعلامية المحترفة.