د. فهد صالح عبدالله السلطان
دبي مدينة فقيرة في ثرواتها الطبيعية وفي مناخها الصحراوي شديد الحرارة والرطوبة فقيرة في ثرواتها الطبيعية وفي قدراتها البشرية (عدديا) مدينة تكاد تنساها رياح الحضارة وعجلة الاقتصاد ومسار التاريخ لعقود بل لقرون خلت. الآن مدينة دبي تحتل المرتبة 16 عالمياً في مجال الابتكار والإبداع والمرتبة 11 في نسبة المخرجات إلى الابتكار وقد دخلت دبي ضمن قائمة جينيس العالمية في عدة مشاريع وأنشطة متنوعة منها برج خليفة، مطار دبي، مول دبي، كأس دبي، اللوبي والمتاهة، مترو دبي، سكاي دبي،. ....إلخ وباختصار لقد أذهلت هذه المدينة العالم وخطفت أنظار المحللين الاقتصاديين والمهتمين بالتنمية.
ولكن ما هو السر في هذا التقدم المفاجئ والسريع؟ في اعتقادي أن كل ما عمله محمد بن راشد يكمن في أمرين: القضاء على الفساد والتركيز على الإبداع وتحويل نقاط الضعف إلى قوة. من أكبر نقاط الضعف في دبي مناخها الصحراوي. من يصدق أنه تم تحويل نقطة الضعف هذه إلى أكبر عامل قوة اقتصادي ومصدر دخل رئيس لهذه المدينة الحيوية. فأصبحت منتجعاً شتوياً يحاكي في مرتاديه أكثر المدن السياحية من حيث عدد الزوار. كما تم تحويل نقطة الضعف الثانية وهي قلة الموارد والثروات الطبيعة إلى نقطة قوة وذلك من خلال ابتكار وبناء مصادر دخل متنوعة لا تعتمد على الثروات الطبيعية مثل إعادة التصدير ومراكز التوزيع التجارية وتسهيل تسجيل الأنشطة التجارية وابتكار الفعاليات والأنشطة غير التقليدية والمشاريع الإبداعية الأخرى ذات القيمة المضافة.
أما العامل البشري فقد تم تحويله هو الآخر إلى نقطة قوة بتبني برامج تدريبة متقدمة في القيادة والابتكار والريادة وحب الإبداع. وتم استثمار نقاط الفرص الخارجية وتعزيزها بشكل مهني فقد قامت تجارة دبي على استثمار الساحة التجارية التي خلفها تراجع مدن إقليمية عن دورها الريادي كمراكز للمال والأعمال مثل بيروت، والكويت، وعمان، والقاهرة. هو الإبداع وليس غيره (وقود التنمية).!!!
وفي المقابل كيف تمكن الرئيس طيب رجب أردوغان من مضاعفة الناتج المحلي لمدينة إستانبول عشر مرات خلال عقد واحد من الزمن. المتتبع لاستراتيجية التنمية التي تبناها أوردغان يلاحظ أنه هو الآخر لم يأت بشيء غير مألوف. الرجل فقط آمن بأن الفساد عدو التنمية ومن ثم استجمع قواه وركز جهده لمحاربته حتى كتب له الله النصر عليه! ومن ثم وجه القدرات والإمكانات المحلية إلى تحويل التحديات إلى فرص ذات قيمة مضافة حتى تضاعف حجم الاقتصاد بشكل ملفت كما تمت الإشارة إليه أعلاه.
هذا لا يعني أن التجربتين خاليتان من النواقص ولكنهما حالتان تستحقان الدراسة.. وبالجملة فإن هناك أربع تجارب عالمية في التنمية لفتت أنظار المتابعين والمحليين الاقتصاديين في العالم تضمنت تجارب (سنغافورة، جنوب كوريا، دبي، وتركيا ). أضحت هذه التجارب بمثابة الدروس (العملية) والواقعية في التنمية بمفهومها الشمولي المبني على تنويع مصادر الدخل والتنمية المستدامة وتحقيق تقدم ملحوظ في قطاعات الصحة والبيئة والتعليم والصناعة...الخ. يمكن الإفادة منها وذلك بمحاكات إيجابياتها ونقاط القوة فيها وترك سلبياتها ونقاط الضعف فيها. وبالتالي استخلاص خارطة طريق تنموية سليمة محدودة المخاطر تختصر مسافة الزمن وتفتح آفاق الإبداع والقيم الاقتصادية الحقيقية المضافة.. والحكمة ضالة المؤمن. أنى وجدها فهو أولى بها..