د.علي القرني
الكثير يعرف عن فضيحة ووترجيت Watergate كأكبر فضيحة في السياسة الأمريكية، ولكن ليس الجميع يعرف أن ووترجيت هي أكبر قصة في التحقيقات الاستقصائية investigative reporting في الصحافة الأمريكية والعالمية. وهي تلك الفضيحة التي أدت إلى استقالة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون.
ووترجيت هو في الأساس مجمع من المباني يقع في أرقى أحياء العاصمة الأمريكية واشنطن، ويتكون من مبانٍ عدة، بما فيها مبانٍ للشقق السكنية، يقطنها كبار الساسة والدبلوماسيين في العاصمة، إضافة إلى فندق حالي، يحمل الاسم نفسه، وكذلك مبنى لمكاتب تجارية. وفي هذا المبنى المخصص للمكاتب التجارية، وتحديدًا في الطابق السادس، وقعت أكبر فضيحة في تاريخ الولايات المتحدة، وأطلق عليها ووترجيت.
وكانت قصة البداية من خبر مقتضب نشرته صحيفة واشنطن بوست صباح يوم الأحد 18 يونيو 1972م، يفيد بأن شرطة العاصمة ألقت القبض مساء البارحة الساعة الثانية والنصف ليلاً على خمسة أشخاص، من بينهم شخص يدعي أنه من وكالة الاستخبارات الأمريكية، وكانوا داخل مقر الحزب الديمقراطي في الطابق السادس من برج المكاتب بمجمع ووترجيت. وكان الخبر قد كتبه مندوب الواشنطن بوست لدى شرطة العاصمة، ونشرته البوست في صفحتها الأولى. ومن هنا كانت البداية؛ إذ كان هؤلاء مكلفين بتصوير وثائق من الحزب الديمقراطي، وسرقة بعضها، وأهم من ذلك زرع أجهزة تنصت في تلفونات الحزب.
وكان بطلا هذا الفضيحة الصحافيَّيْن بوب وودوورد وكارل بيرنستاين، وهما من صحيفة الواشنطن بوست التي يقع مركزها في العاصمة الأمريكية واشنطن. وقد سجل الصحافيان اختراقات لعمليات تغطية وتمويه كبيرة، كان يديرها الرئيس نيكسون بفريق بدا من أقرب مستشاريه إلى أشخاص في وزارة العدل ووكالة الاستخبارات الأمريكية، وغيرها من الجهات.
ودخلت وكالة التحقيقات الفيدرالية FBI كطرف مهم في كشف كثير من التغطيات التي كان يعمل عليها الحزب الجمهوري بهدف إعادة انتخاب الرئيس نيكسون لفترة ثانية للبيت الأبيض. وعلى الرغم من أن عام 1972م شهد حملة انتخابية لإعادة الرئيس وظهور بوادر هذه الفضيحة إلا أنها لم تؤثر إطلاقًا على إعادة انتخاب نيكسون بأغلبية كبيرة من الشعب الأمريكي بعد نحو خمسة أشهر من بداية نشر خبر السطو على مقر الحزب الديمقراطي.
وبداية الكشف كانت من خلال اللصوص الخمسة؛ إذ اتضح أن الأموال التي دخلت حسابات بعض هؤلاء اللصوص كانت من خزانة الحزب الجمهوري. وبدأت التحقيقات التي ربطت نحو سبعين شخصية بها، تم إدانة نحو خمسين منهم في محاكمات لاحقة، وأدت في النهاية إلى جلسات مساءلة للرئيس الذي اتضح أن لديه تسجيلات صوتية مخترقة لمكالمات هاتفية لأعضاء في الحزب الديمقراطي، وسلمها بعد حكم محكمة الدستور العليا، وإثرها قدّم استقالته من الرئاسة، وجاء بعده نائبه جيرالد فورد الذي جعل أول قراراته إعفاء رئيسه من أي تبعات لمحاكمته لاحقًا.
ويشكّل مجمل النشر والمقابلات والتحقيقات التي تابعها الصحافيان وودورد وبرنستاين في مجموعها أكبر تحقيق استقصائي في تاريخ الإعلام؛ إذ امتد إلى فترة استقالة نيكسون بتاريخ 9 أغسطس 1974م، وكتب استقالته في 11 كلمة، أشار فيها إلى أنه يقدم استقالته من مكتب الرئاسة الأمريكية. وهذه النتيجة هي خاتمة جهود إعلامية، تناولت الموضوع، بما فيها أعمال صحافية قامت بها صحيفة البوست تحديدًا مع صحيفة نيويورك تايمز.
وبناء على ما تقدم، فإن الاتهام الحالي الذي أعلنه الرئيس الحالي دونالد ترامب بأن الرئيس السابق باراك أوباما قد زرع نظام تنصت على مكالمات ترامب أثناء الحملة الانتخابية هو اتهام خطير جدًّا، وذكّر الجميع بما حدث في فضيحة ووترجيت، ولكن يبدو أنه مجرد اتهام ليس مسنودًا إلى أي دليل، وكانت عبارة عن تغريدة مسائية من ترامب، شطح بها كثيرًا، وقد يعتذر عنها، ولكن تداعياتها لن تمر مرور الكرام خلال الأسابيع القادمة.