عبدالعزيز السماري
من أهم أزمات الطرح الديني المتزمت عند البعض أنه لا يسمح بتعدد الخيارات أو الرأي في المجتمع، وإن كان للخيار المخالف مرجعية أو رؤية فقهية لا ترى فيه خروجاً عن النص أو الاجتهاد الديني، وأكبر دليل على ذلك الموقف من الموسيقى والغناء والفرح، والتي يختلف فيها الفقهاء، وبالتالي لا يصح فرض رأي أحادي، يعتقد بحرمتها بإطلاق على الجميع، والذي إذا خالفه أحد ما، فهو العلماني الملحد والليبرالي المنحرف والماجن والفاسق...
الاختلاف هو نقيض التكرار، وهو أقرب للفطرة لأن التمايز والتنوع في الحياة فطرة وطبيعة لمختلف الكائنات، ولا يمكن أن يكون الناس نسخا متطابقة من رؤية أحادية جداً للأشياء، وهو ما نجحت فيه الصحوة الدينية كما أطلق عليها سابقا، والتي نجحت في تحديد صفات محددة جداً سواء في الشكل أو السلوك حتى يصل المواطن السعودي إلى درجة الصالحين المؤهلين لميراث الأرض، وهي التسلط والتحكم.
أزمتنا معهم أنهم يريدون أن نمشي خلفهم خطوة بخطوة، وأن لا نتجاوزهم، ويعني ذلك أنه كان من التقوى أن نتوقف عن إرسال البنات إلى المدارس حتى يسمحوا بذلك، وأن نتوقف عن استخدام الوسائل الحديثة مثل التصوير والتلفزيون والجوال والإنترنت إلى أن يصلوا إلى مرحلة قناعة بهذه الوسائل، وأن نتوقف عن استيراد الطائرات ومنتجات العلم والطب الحديث حتى يفتون بالسماح بها.
ولو حدث ذلك لما تقدمنا خطوة واحدة في اتجاه المستقبل، والدليل فتاويهم التي حرمت كل شيء، ابتداءً من الميكروفون إلى الصورة الفوتوغرافية والدوري العام وحفلات المسرح ومشاهدة التلفزيون والابتعاث للخارج وقبله السفر للسياحة، ولو تم جمعها في مجلد، لربما كان أضخم كتاب في التاريخ، ولهذا أنا أدعوهم لمراجعة فتاويهم قبل الخوض في سياسة التحريض ضد الآخرين، فالفتاوي التي تحرم كل شيء لازالت تحظى بالتقديس على الرغم من تجاوزهم، وتجاوز المجتمع لها.
نحن لسنا ضد ظاهرة التدين المتشدد، فهي خيار فطري عند البعض، ولكن ضد وضع أطر ضيقة لمفهوم الصلاح في المجتمع، ومن خالفها فهو فاسد، و ذلك لا يعني بالضرورة أن غير المتدينين غير صالحين، أو غير مؤهلين ليكونوا من الصالحين، فالصالح حسب وجهة نظري هو المواطن الذي يعمل وينتج وينجز ويحافظ على أمن بلاده، بينما لا تصنع فرض ظواهر التطرف الديني إلا الوعي المزيف والنفاق..
ما يطرحه بعضهم، ولا أعمم، من خطاب تحريضي قاس وموجه ضد مخالفيهم في فقه الحياة هو إثارة للنعرات والفرقة والتناحر، وما يحاول بعضهم بثه بين السطور دليل آخر على أن الخطاب الديني المعاصر وقع في المحضور السياسي الأحادي، وهو إن لم تكن معي ولا تقلدني وتختلف معي، فأنت ضدي تماماً، وسأعلن عليك الحرب، والخطورة في هذا الشان أن ذلك قد يفتح أبوابا كثيرة للخروج عن خط الاستقرار السياسي..
أيها السادة نحن نقف معكم في تدينكم وتشددكم ضمن خياراتكم الشخصية وحدود حرية الآخرين، لكن عليكم أن تدركوا أن في الأمر سعة، وأن الخيارات ضمن الدين واسعة وتتسع للجميع، فلا تشهروا سيوفكم المسلطة على أرقاب الناس، ولا تُضيقوا على عباد الله في أفراحهم، ودعوهم يعيشون حياتهم ضمن حدود المسموح به نظاما وديناً.
عليكم أن تعوا جيداً أن الاختلاف في الهيئة والمذهب أمر محمود في مختلف عصور التاريخ الإسلامي، وأن عملكم الدؤوب لفرض زي شمولي موحد وأفكار معلبة ومحددة هو خروج عن الفطرة الإنسانية، لأن الله عز وجل خلق الكون في تنوع واختلاف شديدين، فلماذا تنكرون على الناس اختلافهم المحمود حول ما هو موضع خلاف، ولماذا تعلنون الحرب الشعواء على الآخرين إن هم أظهروا سعادتهم في أوطانهم ضمن المسموح به دينياً..