في الزمن الماضي قبل دخول وسائل وبرامج التواصل الاجتماعي كـ الواتس آب, تويتر,الفيسبوك.. وغيرها من وسائل التقنية الجديدة في حياتنا, كنا في خير وكان ظهور الشائعات المغرضة والمفسدة للمجتمع قليلة أو نادرة الحدوث, وكان المجتمع يعيش في هدوء وسكينة حتى وصلتنا هذه التقنية التي لم نحسن استخدامها أولا, وثانيا تتبعنا ما تقدمه إلينا من مصائب انعكست سلبا على مجتمعنا المسلم, المترابط, مخلخلة أعضاءه وتغلغلت في جسده, وإذا أردنا أن نعرّف الشائعة فنقول: «أنها مصدر أشاع», «وشاع الخبر في الناس شيوعا» أي انتشر وظهر وذاع, والشائعة هي «الأخبار التي لا يُعلم من أذاعها», فلو سألت من ينقل الشائعة عن مصدرها سيقول لك قالوا,زعموا.
والشائعة نشر الأخبار التي ينبغي سترها, لأن فيها أذى ومصائب لا تحصى للفرد والمجتمع والأمة, وفيها إيذاء كبير للناس. والشائعات كم دمرت من مجتمعات, وهدمت أسراً, وفرقت بين أحبة, الشائعات كم أهدرت من أموال وضيعت أقوالا, وساهمت في بث الكراهية بين المجتمعات وحتى بين الدول, الشائعات كم أحزنت قلوبا, وأولعت من أفئدة, وأورثت من حسرة, الشائعات كم أقلقت من أبرياء وكم حطت من عظماء وأشعلت نار الفتنة بين الأشقاء والأصفياء. الشائعات كم نالت من عظماء, وعلماء! وكم هدمت من وشائج وتسببت في جرائم الشائعات كم أثارت من فتن وبلايا وحروب ورزايا, وأذكت نار حروب عالمية, إذا علم أن الحرب أولها كلام,ورب مقالة شر أشعلت فتنا, لأن حاقدا ضخمها ونفخ فيها, الشائعات كم هزمت من جيوش, وكم دمرت من معنويات.
الشائعات ألغام معنوية, وقنابل نفسية, ورصاصات طائشة, تصيب أصحابها في مقتل وتفعل في عرضها ما لا يستطيع فعله العدو بمخابراته وطابوره الخامس.
الشائعات والأراجيف تعتبر من أخطر الأسلحة الفتاكة والمدمرة للمجتمعات, والأشخاص, بل قد تكون معول هدم للدين من الداخل أو الخارج, والضرر بالدعوة والدعاة, وخطرها عظيم, ونتائجها وخيمة فكم من أب قتل ابنته والسبب الشائعة وكم من زوج طلق زوجته بأسباب الشائعة ودمر بيته وشتت أسرته, وكم من دول تصادمت مع بعضها بأسباب الشائعة, وكم من مجتمعات انتشرت فيها الفوضى بأسباب الشائعة, الشائعة تُعمي عن الحق وعن الصراط المستقيم, قال تعالى: {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (القصص 50). والشائعة ضررها أشد من ضرر القتل, فالشائعات من أهم الوسائل المؤدية إلى الفتنة, والوقيعة بين الناس يقول الله تعالى: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ}، {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ}، وإنما كانت الفتنة أشد من القتل لأن القتل يقع على نفس واحدة لها حرمة مصانة أما الفتنة فيهدم بنيان الحرمة ليس لفرد وإنما لمجتمع بأسره. والشائعة يطلقها الجبناء, ويصدقها الأغبياء, الذين لا يستخدمون عقولهم, ويستفيد منها الأذكياء... وكم نرى في مجتمعنا هذه الأيام وهذه السنوات من تبادل خطير لنشر الإشاعات عبر وسائل التواصل المتعددة التي نكبتنا بها التقنية الحديثة, أناس تفرغو لنقلها وبثها دون ترو أو تأكد بأسلوب أقل ما يقال عنه أسلوب غباء مدمر, بالرغم من أن الشائعة ليست ظاهرة مستحدثة, بل انها خلقت منذ بدء الخليقة, استخدمها الإنسان كثيراً لزعزعة الأمن والاستقرار, حيث أطلقها وصدقها وتأثر بها, لتتبلور في أحضان ثقافته على مر العصور متشكلة متلونة بملامح كل زمان تظهر فيه.
والشائعات شأن الدعاية هما أسلوبان هدامان, يحدثان أضراراً سلبية داخل المجتمعات عن طريق إثارة الغرائز واستغلال العواطف, والمساعدة في نشر بكتيريا الكذب, وما نراه في أجهزة التواصل مثل: «الفيسبوك, اليوتيوب» في تحرير شائعات وإطلاقها في جميع المجالات السياسية, تنال من رموز سياسية أو فكرية أو دينية أو ترويج وفاة مشاهير في المجتمع والسياسة والاقتصاد والتي تتأثر بها الأسواق العالمية.
والشائعات كما نعلم جميعاً أمر منافٍ لما جاء به الدين الإسلامي جملة وتفصيلا، لأن الدين يحرص على سلامة المجتمع من كل ما يصيب أفراده من أخلاق فاسدة أو عقائد باطلة أو سلوك سلبي, الشائعات حذر منها القرآن في كثير من آياته, كما السنة النبوية.
والشخص المروج للإشاعات إما أن يكون حاقدا أو جاهلا أو مستفيدا من ترويج الشائعة وانتشارها, ومن يسمع الشائعة لا يكون أول من أطلقها وإذا سمع بها فلا يعمل على ترويجها ونشرها بين الناس لئلا يكون أحد الكذابين الذين عناهم الحديث الشريف: «كفا بالمرء إثما أن يحدث بكل ما يسمع», ليكون في الدرجة العالية التي نوه بها الحديث الشريف: «من حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه» فلماذا لا نترك ما لا يعنينا ونقف سداً منيعاً ضد نشر الشائعات عبر أجهزة التواصل بكافة أشكالها وأنواعها؟ لماذا لا نخدم مجتمعنا بالكف عنها ومحاربة من يبثها سراً أو علناً؟ حتى نحمي مجتمعنا المسلم من تفشيها وظهورها والاستهانة بها وبما تخلفه على الأفراد والمجتمع, علينا جميعاً التأكد من كل ما يصل إلينا قبل تصديره واستيعاب أهدافه وأن لا نكون ألعوبة بيد الإعلام العالمي ومصدري التقنية فهي أخطر من الحروب والأوبئة النفسية ولذلك يجب التنبه والتنبيه ومناصحة كل من ينجرف إلى هذا الداء من أبناء الوطن , وليعلم الجميع أن مروج الشائعات لئيم الطبع, دنيء الهمة, مريض النفس, منحرف التفكير, صفيق الوجه, عديم المروءة, ضعيف الديانة, وهو عضو مسموم يسري سريان النار في الهشيم, يتلون كالحرباء وينفث سمومه كالحية الرقطاء, ديدنه الإفساد والهمز, وسلوكه الشر واللمز, وغايته الخبث والعياذ بالله, لا يفتأ إثارة وتشويشا, ولا ينفك كذبا وتحريشا فلنحذر ولنحارب من يشيع الشائعات في مجتمعنا المسلم ولنكن جميعا جنوداً لهذا الوطن نمنع تربص الحاقدين ونحد من انتشار مفاسد هذه الوسائل التي يفترض أن نستخدمها لما يفيد المجتمع ويبنيه ويزيد من ترابطه، ولا نستخدمها لهدمه ونشر الفتن والأخبار المسيئة والأعمال التي لا تليق بنا ونحن مسلمون, حذرنا ديننا من كل هذا ونهانا, فهل نكون كذلك؟! أم نكون ألعوبة في وسائل التقنية الحديثة لهدم بلدنا ومجتمعنا؟.
نسأل الله الحماية لنا ولشبابنا وبناتنا ولأمتنا من هذا الداء داء الشائعات ونسأل الله السلامة من كل سوء.