اختارَ الساعةَ الواحدةَ مِن جوزِ الليلِ لينتبهَ مِن نومتِه، ويروعَ زوجَهُ بعِبارةِ رجُلٍ يقِظ: أشمُّ رائحةَ بطاطا! مَن يطهو البطاطا في مِثلِ هذه الساعة؟!
وكأنّما زوّرتْ امرأتُهُ جواباً في صدرِها حين قالت له: نعم.. صدقتَ؛ جارتُنا تُعدُّ لبعض بنيها الطعامَ سحَرًا؛ لأنّ منهم من يدلج إلى نوبته في العمل، فنمْ يا حبيبي.. نَمْ.
فاعتنق وسادتَهُ، وازورّ مكملاً رُقادَه.
.....
وهاهو في هجعةٍ أُخرى يستشعر امرأتَه تندسّ في فراشها بعد قضاء حاجتِها، فيصيح بها: أهذا وقتُ قضاءِ الحاجة؟! ألم أنهَكِ عن الإفراط في احتساءِ السوائل كيلا تقضّي مضجعي؟!
فتبسّمت لتجهّمه، وتلطّفتْ له بقُبلة أشاح عنها بحنق.
.....
وفي متّكئه ذاتَ قهوة مزعفرة: رآها تُخالس النظَر إلى جهازها الجوّال.. فأغلظ لها التقريع، ورماها بما هو أهلُه من التهاونِ والاشتغال بوسائل الاتصال.. فانفرج ألمها عن ابتسامة قنوعة، أعقبتْها باعتذار قلّم أظفارَ انزعاجِه..
......
وسالتِ الليالي في وديان الزمن.. ومن أجرؤ مِن السيل؟!
ودبَّ إليه المللُ.. ذاك الآلُ الذي يلوح للأزواج بقِيعة رحلة حياتِهم، فيخدعهم عن نبع التسامح الثر، ومنهلِ التغافلِ الفُرات.
وشرَع يطرق البيوتَ ليتزوّج، فبنى بأخرى.. وأرسل إلى امرأتِه يلحقُها بأهلها، واتّصل بأخيها ليحملَها من بيته غيرَ مُحسنٍ في تسريحها..
لملمتْ جراحَها ومتاعَها، واستلّت يراعةً وكراسةً اعتادتْ أن تخُطَّ عليها نواقصَ البيت وميرتَه بإيناق.. لكنّها هذه المرّة لم تكتبْ عن الخُضر والفواكه واللحوم والمنظّفات... بل سطّرت كلماتِها الأخيرةَ، ورحلتْ..
وحين آبَ، ألفى كلَّ شيءٍ مُرتّبًا كما اعتاد، وبصُر بورقةٍ مطويّةٍ على منضدةِ خيزرانٍ في زاوية الصالة، ففتحها وقرأ قائمةً موجِعة، في خاتمتِها:
... وكانت رسائلي إلى أمّكَ وأخواتكَ، أدعوهنّ إلى العشاء في بيتك، لأجمعَ شملَكُم على خوانِنا..
وعن يقظاتي في الليل: فلعلّةٍ في أمعائي خبَأتُها عنك لئلّا أقلقَك، وأطلعتُ عليها بعضَ إخواني.
وأمّا البطاطا: فلم تكُن ثَمَّ رائحة.. كنتَ تحلُم، وكنتُ (أحلُم)؛ فلا بطاطا ولا هم يطبخون.
- مهنّد الفالح