أ.د.عثمان بن صالح العامر
أضر ما يضر بالأمم، ويفتك بالحكومات قادة وشعوباً، ويلحق الهزائم السياسية والعسكرية والاقتصادية والفكرية أمران أساسيان، كلاهما شر:
# الاعتقاد المبالغ فيه بقوة العدو عدداً وعدة، والشعور بالضعف أمامه، والاستسلام الذهني له قبل أن يُختبر ويعرف حقيقة حاله، وهذا هو الوتر الذي يعزف عليه الإعلام المضاد الآن، وهو مفتاح الهزيمة النفسية التي يتولد معها الخور والهوان قبل الشخوص إلى أرض المنازلة والنزال عند أولئك الذين لا يقرؤون التاريخ، ولا يتألمون في أحداث الحاضر، ولا يستشعرون الأثر العميق الذي تولده العقيدة في النفوس، وتنتجه المواطنة الحقة في الاستبسال دفاعاً عن الدين ثم الأرض والعرض.
# والوجه الآخر لا يقل خطراً عمّا سبق، حيث التقليل والتهوين من قوة العدو وقدراته، مما يدفع إلى التكاسل والتواكل والخذلان.
# والموقف الصحيح هو وضع الأمور في نصابها العادل، إذ لا إفراط ولا تفريط، والاستعداد الحقيقي لمواجهة العدو أياً كان، وعدم التقليل من شأنه وخطورته مهما ضعف، ولذلك جاء الأمر الرباني لنا - كما هو لمن سبقنا وسبقى إلى قيام الساعة - بأن نعد كل ما نستطيع من قوة حين منازلة الأعداء، حتى وإن كنا لا نعرف حال العدو قوة وضعفاً.
لقد استوقني ليلة أمس والإمام يصلي بنا صلاة العشاء آية من سورة إبراهيم (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ).
لقد أثبت الله عزَّ وجل لهم المكر، وبين شدة هذا المكر وخطورته إلى درجة أن الجبال الرواسي التي من الصعوبة أن تتزحزح عن مكانها قدر أنملة تزول منه، وهي حجر صلد فكيف ببني البشر؟، والعبرة - كما يقول أهل الاختصاص - في مثل هذه الآية «بعموم اللفظ لا بخصوص السبب».
إننا اليوم نواجه مكر قوى الشر مجتمعة، الذي في كل مناسبة يخرج لنا بثوب جديد، ويحاول جهده أن يلصق بنا تهمة التطرف بصورة أو بأخرى، فبالأمس كانت الولايات المتحدة الأمريكية وإيران واليوم فرنسا ومن بعدها ألمانيا و... مع أنهم جميعاً يعلمون قبل غيرهم كم عانينا من هذا الإرهاب، وكم هي الأنفس والأموال التي بذلناها وما زلنا من أجل مواجهة جيوب هذه الفئة الضالة التي لا تمت إلى الإسلام بصلة ولا هي منا ولا نحن منها لا من قريب ولا من بعيد، ولكنه المكر السيئ الذي حكى الله لنا شدته وتغلغله حتى أنه يكاد يزيل الجبال الرواسي التي ثلثاها تحت الأرض من أجل أن تمسكها حتى لا تميد بنا أو تهتز.
مكر قوى الشر يتجاوز المواجهة العسكرية ليصل إلى الإرهاق السياسي والاستنزاف الاقتصادي والغزو الفكري/ العقدي والخلخة المجتمعية بالنيل من الرموز ومحاولة تشويه سمعتهم وزرع الضغينة في نفوس البعض عليهم، ونشر الشائعات التي تفرق ولا تجمع، تضر ولا يمكن لها بحال أن تنفع، ولك أن تتصور كم هي ألوان المكر وأنواعه التي تزيل الجبال فكيف بالنفوس؟!.
ولذا فالواجب أن نتسلح بكل ما من شأنه أن يدفع عنا «ديننا ووطننا» أثر هذا المكر الذي سيرهقنا إن نحن أصغينا له واستسلمنا، وأول ما نتسلح به الجزم بأن هذا الكيد والمكر والمخادعة هي «عند الله»، والأمر كله بيد الله سبحانه وتعالى، ولذا علينا التعلق بالله واللجوء إليه، والاستنصار به وطلب العون منه عزَّ وجل، {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ}.