«الجزيرة» - محمد المرزوقي:
اختتمت يوم أمس فعاليات «مؤتمر الأدباء السعوديين الخامس» الذي انطلقت فعالياته مساء يوم الأحد الماضي تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - في حفل الافتتاح الذي دشنه وزير الثقافة والإعلام الدكتور عادل بن زيد الطريفي، في مركز الملك فهد الثقافي بالرياض، الذي انعقد دورته الحالية - الخامسة - تحت عنوان الرئيس «الأدب السعودي ومؤسساته: مراجعات واستشراف»، إذ وصف رئيس اللجنة العلمية للمؤتمر أن الرقم الذي سجلته البحوث المشاركة في هذه الدورة يعد هذا الرقم الأعلى مقارنة بالمؤتمرات السابقة، إلى جانب ما يميز حضور مشاركة المرأة فيه، الذي قارب نصف المشاركات بواقع (32) ورقة نسائية، فيما شهدت الدورة الخامسة لمؤتمر الأدباء السعوديين المنعقد في الرياض لهذا العام تكريم ثلاث من المؤسسات التي خدمت الأدب العربي والأدب السعودي بصفة خاصة وهي: مجلة المنهل، كرسي الأدب السعودي في جامعة الملك سعود، واثنينية عبد المقصود خوجة، إلى جانب تكريم المؤتمر لثلاثة عشر شاعراً أصدروا أول دواوينهم قبل 1400هـ وما زالوا على قيد الحياة.
«النموذج الواحد»
احتطاب الفكرة والحدث!
شهد محور «الأدب السعودي والأمن الفكري» عديداً من البحوث التي تناولت عدداً من الروايات السعودية بوصفها «أنموذجاً» التي تناولت أوراقها جملة من العناوين التي جاء من ضمنها: نقد الخطاب الديني عبر الخطاب الروائي: قراءة في نماذج من الرواية السعودية، وموضوع آخر عن الأمن الاجتماعي في الرواية السعودية، وثالث عن: لغة التطرف والحياد في نموذجين من الروايات السعودية، وآخر عن: صور التطرف في الروايات السعودية، وغيرها من العناوين البحثية التي استعرضت جانب الأمن الفكري في الأدب السعودي من خلال الروايات السعودية.
جملة من هذه العناوين وغيرها كانت أشبه بالقراءات (الانطباعية) التي قدمت بأنها «قراء على قراءة» ما جعل المكرور فيها واضحاً، والقراءة (الأفقية) طاغية على العرض البحثي الذي قدمت به كمضمون يفترض فيه العمق والقراءة الناقدة بوصفها أولى الأدوات التي يجب أن يتمكن منها الباحث والباحثة لاستظهار مثل هذه العناوين وتفكيك علاقتها، والوقوف على النموذج المدروس بما يحقق الهدف المنشود من محور الموضوع، إذ إن بعض ما قدم في هذه العناوين تجاوزته القراءات المنشورة في الصحافة تحديد بمراحل منذ أن تم نشر تلك الأعمال، ما جعل من بعض الأوراق بمثابة تفسير الماء بالماء! إلى جانب ما كشفه النموذج «الواحد» المشترك بين عدة أوراق بحثية، التي جاء في مقدمتها رواية عبدالله ثابت «الإرهابي 20» التي كشفت عن تباين كبير بين الأوراق في رؤيتها إلى الحدث والبطل والبناء والعقدة مكاناً وفكراً، إذ إن اختلاف العناوين الفرعية بين الأوراق من بحث إلى آخر لا يمكن أن ينتج بطلاً مختلفاً أو عقدة أخرى، أو بناءً فنياً «متضاداً» ما جعل من بعض طارح النماذج أشبه بـ»حاطب ليل» ظهر في عديد من أوراقه (حطابة) ورق لا قراءة نقد بوصفها أولى أدوات الحكم على النص أمام معادلة طرفيها: (النص السعودي) في مقابل (الأمن الفكري)!
«أدب الأطفال»
غياب الشكل والمضمون!
لم يكن محور «الأدب السعودي والطفل» بعيداً عن غيره من المحاور، التي لم يطل بعض أوراقها بعض الخلل العلمي عطفاً على أهداف الدراسة وتساؤلات البحوث رغم أنها جاءت في ظاهرها من حيث العرض البنائي للدراسة مستعرضة ما طرقته من أهداف، إلا أن المحتوى قصر عن تجاوز عديد من الموضوعات الفرعية فيما قدمه بعض من بحث «أدب الطفل» في هذا المحور، ومع أن هذا التقصير لا يعني وجود دراسة غير محكمة أو غير مستوفية للمعايير إلا أنها أشبه بدراسة (بائتة) أكلت عليها الدراسات بعدها، وأشبعتها عديد من الجهات «المؤسسية» إلى جانب الأعمال الفردية بحثاً وكشفاً عنها بالتوصيف والإحصاء وغيرها، ما جعل من جهد بعض من شارك في هذا المحور مجرد جامع رصف بحثاً وفقاً لمعايير مكنته من الاجتياز للمشاركة، ما جعل من «توصيات بعض الأوراق» أشبه بما كان على الباحث أو الباحثة في هذا المحور أن يتجاوز إليه لبحثه بدلاً من (الاصطفاف) ببحثه إلى جانب الدراسات السابقة التي تناولت الطفل في مختلف مجالاته المعرفية والتربوية والتعليمية وجوانب النمو والتنشئة والسمات لكل مرحلة وفقاً لتقسيمات مرحلة الطفولة المبحوثة على قارعة طريق الطفولة منذ سنوات!
القصيدة و»الجبهة»
تقليدية وزيارة مؤجلة!
أما عن عي الشاعر السعودي بالأمن الفكر فقد قسمها الدكتور أحمد الهلي على محورين: مهددات خارجية، وأخرى داخلية، بعد تحولات شهدها العالم والعالم العربي والمجتمع السعودي ضمن هذه الدوائر من التحولات الفكرية المختلفة، التي جعلت من بعض دواوين الشعراء في قدمته البحوث في هذا المحور امتداداً «تقليدياً» من الموضوعات التي تدور في مضمون (الشعر والأمن الفكري) ما جعل من الهدف الذي يسعى إليه الشاعر هو كل شيء في النص صورة ومعنى، التي اتخذت لها مسارين من التهديدات التي تصدت لها نصوص الشعراء السعوديين، الأول: مهددات خارجية، أما الآخر فتناولته القصائد بوصفه مهددات داخلية.
مداخلات الحضور في هذا المحور لم تكن باتجاه الشاعر، أو باتجاه نصه بدرجة أخرى بقدر ما أثارت تساؤلاً عن سبب غياب زيارة بعض الرموز الشعرية للجبهة، ما سيكون له موقع مختلف على عدة مستويات، أولها الحضور الذي يوازي حضور بعض الدعاة والوعاظ الذين زاروا جنودنا البواسل على المرابطين على حدود بلادنا، أما البعد الآخر فلأن القارئ سيكون أمام نص مختلف شكلاً ومضموناً، فيما اعتبر البعض أن زيارة الشعراء ستعيد إلى الأذهان «شعر الحماسة» في ميادين الشرف والبطولات.
«حوكمة الأدب»
عودة إلى الوصاية!
«إنشاء هيئات تحكيمية تتناول الأعمال الفنية على اختلافها لنقدها، وإخضاع الكتاب لـ(المحاسبة) فالكلمة مسؤولية، ولا بد من (محاسبة) كل من يجند قلمه لزعزعة الأمن الفكري» كانت هذه التوصية إحدى التوصيات التي أوصت بها الباحثة سمية بنت رومي الرومي، في ورقتها التي قدمتها بعنوان: «دور الأدب السعودي في تحقيق الأمن الفكري» وذلك ضمن الجلسة العاشرة، المنعقدة ضمن جلسات اليوم الثاني للمؤتمر، حيث أثارت جدلية واسعة بين المداخلين من الحضور، الذين أكد أغلبهم على أن محاكمة الفنون يعني نقل المخيال، والعمل الإبداعي بوصفه انعكاساً لا حقيقة إلى عالم حقيقي ليتسنى بعد ذلك محاسبته، إذ علق الدكتور يوسف العارف أن الباحثة رجعت إلى مرجعيات ما قبل الصحوة ومؤلفاتها التي تجيش بالعاطفة الدينية دون وعي بالنصوص، فيما علق رئيس نادي الطائف الأدبي عطالله الجعيد قائلاً: لم نشاهد أو نسمع فناناً أو أديباً فجّر نفسه، بينما اعتبرت الناقدة الدكتورة ميساء الخواجا، أن رؤية الباحثة تحاكم الواقع لا العمل الأدبي بوصفه أدباً لا يمس ثابتاً من ثوابتنا الصريحة وإنما يستقرئ بفنياته مشكلة ما لعرضها أدبياً، مستغربة أن يكون مرجع الورقة مرجعين لا غير أحالت الرومي كل من انتقدها إليهما في ردها على مداخلات الحضور من الجنسين، منقسمين إلى فريقين حول أساس القضية التي يكمن في الإقرار بوظيفة الأدب من عدمها!.