بحر التربية واسع، وقواعده كثيرة، وتفاصيله مترامية الأطراف، كم هو بالغ الطول ما يمكن أن يقال فيه، ولكن ما هو الأهم؟ ما هو الأهم مما يمكن أن يقال؟
أن لا تنشئ أبناءك على الفقر، ذلك هو الأهم، ذلك هو الأهم بالتحديد، أن لا تجعلهم لقمة سائغة لعبث العابثين، ومحطة وارفة لازدراء المقربين، وكيانًا ضعيفًا في مواجهة صوارف الأيام وتحدياتها.. ليس هناك ما هو أهم من ذلك.
ولكن الحقيقة تقول إن أكثر الأطفال فقراء، فقراء عاطفيًّا، تمضي أيامهم وسنوهم وهم على هذه الحال، لا يجدون ملجأ ولا ملاذًا يروي عاطفتهم، وقد كانوا في يراعهم وغضاضتهم وطراوتهم تنسل الابتسامة إلى أعماقهم، وتنسل الصفعة، وكذلك الثناء والسخرية، وكل خير وكل شر، تضمه قلوبهم وعقولهم، أجسادهم وأرواحهم، كل شيء فيهم يضم كل ما نمنحهم إياه، وكل شيء يضم ليس لرده مجال.. يا لها من حقيقة مفزعة إذا لم نتعامل معها التعامل الصحيح.
أن يكتفي الإنسان عاطفيًّا أو يرتوي فذلك يعني أن يكون أكثر قوة وصلابة لمواجهة تحديات الزمان وصوارف الأيام. وإن العاطفة التي لم تشمل الطفل في المهد ثم في سنوات عمره الأولى استحالة أن تروى بعد ذلك مهما كان حجم تدفقها وقوتها؛ لأنها بعد الطفولة لا تعمل سوى على القشور، في حين أنها كانت في الطفولة تعمل على اللب.
وهل يرضى الآباء بهشاشة أبنائهم وضعفهم أم أنهم يجهلون الأسباب المؤدية إلى ذلك فلا يتقونها؟ أيًّا كانت الإجابة فإن الحقيقة الثابتة أنهم سيعيشون الويلات مع أبنائهم عندما يكبرون، ولن يكونوا بمعزل عن الآثار المترتبة على هذا الفقر العاطفي لأبنائهم. وإن الحل الوحيد في ذلك هو إكرام أبنائهم عاطفيًّا منذ لحظات عمرهم الأولى، وعدم التلاعب بمشاعرهم، أو الاستخفاف بها.