«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
فيما مضى من زمن، زاملت أحد الزملاء في العمل أمدّ الله في عمره. وكان جزء من وقت الدوام يقضيه متردداً على الحمام للاغتسال أو حتى السباحة بصورة كاملة. أما عندما يذهب للوضوء فهو يذهب مبكراً كونه يحتاج لوقت طويل ليطمئن أنّ وضوءه لا غبار عليه.. وكنا نضطر للوضوء في المكاتب المجاورة لمكاتبنا أو داخل مغاسل مسجد الإدارة حيث نعمل، حتى لا نتأخر عن موعد الصلاة.. ومنذ البداية علم الجميع من الزملاء أنه إنسان «موسوس»، ورغم ذلك كان لطيفاً حبوباً وكثيراً ما يتحاشى مصافحة الزملاء أو حتى من يأتي لحاجة ما في إدارتنا، فهو يحاول أن يشغل نفسه عن مصافحته قدر المستطاع..
ولو أسقط في يده، تجده يتجه سريعاً إلى الحمام للاغتسال بصورة كاملة.. وحياتنا فيها الكثير الكثير من أمثال هذا الزميل «الوسواسي» لكن تختلف حدة الوسواس وتتفاوت درجاته.. ويشترك في المعاناة من الوسواس الرجال والنساء، والمعاناة تشكل ظاهرة مرضية عالمية وقديمة.. والجدير بالذكر أن كلمة الوسواس تشمل الوسواس الخناس ألا وهو الشيطان.. ولكن عادة عندما نردد المعوذات، فهذا الشيطان يهرب سريعاً .. هكذا علمنا ديننا العظيم؟!
فكثير من حالات الطلاق تسبب فيها هذا الوسواس.. فلا تتحمل الزوجة وسواس زوجها المزمن والمزعج، فهي من أجل إرضائه تعيد غسيل الأواني أكثر من مرة، بل تضطر المسكينة إلى تنفيذ كل أوامره وتوجيهاته المتعلقة بضرورة تطبيق كافة المعايير الصحية والوقائية في مختلف شؤون البيت. وكم من خادمة تركت العمل من فرط وسوسة ربة البيت أو من تكرار طلباتها المزعجة في مجال ما تقوم به من أعمال وخدمات منزلية.. وتجد من يعاني من هذه الظاهرة الوسواسية.. تجده مبتعداً عن الناس. خائفاً وجلاً من العدوى أو الإصابة بمرض ما.. لذلك يعتزل الناس. ومن أشهر الذين أصيبوا بهذا الوسواس الملياردير الأمريكي هيوز، والذي قام بتجسيد دوره الممثل (ليوناردو دي كابريو)، والعجيب إنّ هذا الممثل الشهير نفسه يعاني هو أيضا من الوسواس. ومن المشاهير أيضاً الذين يعانون منه لاعب الكره بيكام. وفنان البوب الراحل مايكل جاكسون. حيث كان يضع باستمرار «ماسك» على وجهه وقفازات في يديه..
والوسواس إذا تمكن من أحدهم يجعله في حيرة دائمة بل يدفعه إلى العودة من عمله مجدداً إلى بيته، للتأكد من أنه قد أقفل الباب أو إن خادمته موجودة ولم تهرب. و.. و.. عشرات الأفكار والخواطر التي تدفعه للوسوسة القلقة.. هذا ويشير علماء وأطباء النفس إلى أن الوسواس القهري هو اضطراب تتكرر فيه الأفكار غير المرغوب فيها، ما يدفع بمن يعاني منه إلى تكرار القيام بأشياء عدة مرات وبصورة غير عقلانية ومستحبة حتى من المحيطين به.. وتروي الكاتبة (جانيت روز ماري) في كتابها «وسواس الأزواج والزوجات»، حكاية طريفة وحزينة في ذات الوقت عن رجل أعمال شهير، في منزله الكبير ركن خاص كمكتب له، ولكن نادراً ما يجلس فيه أو يستخدم المقعد، وقد تنقضي عدة أشهر دون الحاجة لاستخدامه ولكنه يتولى هو نفسه تنظيفه والمكتب ككل، ومسح الزجاج بقطعة قماش مبللة بالمطهرات ويبتعد ويقترب، وهو يدقق في سطح المكتب حتى لا تبقى أية بقعة أو خيال لبقعة ما على زجاج المكتب أو شيء من الغبار بين كتب المكتب...!؟ هذا وينصح أطباء وعلماء النفس بأنّ من يعاني من الوسواس القهري، عليه وبدون تردد أن يتوجه إلى استشاري الطب النفسي فلكلِّ حالة علاجها .. ولله الحمد..