عروبة المنيف
يفرز الجسم هرمون الأدرينالين عندما يواجه الإنسان خطراً ما، وتختلف مستويات إفراز هذا الهرمون من شخص لآخر نتيجة تحكم الأعراف الاجتماعية في مستوى ردود الأفعال وفي تنبيه الناس لما يتطلب منهم فعله عند مواجهة خطر ما، كيف يستجيبون وكيف يشعرون، ويطلق عليها «قواعد الشعور» التي تؤثر على السلوك وتوجه الإنسان لما يجب أن يخاف منه والطريقة التي يعبر فيها عن خوفه، فالخوف بحد ذاته لا يحدث من تلقاء نفسه بل يتم تشكيله اجتماعياً ويستغل من قبل أولئك المستفيدين من نتائجه.
يتواجد دوماً في محيطنا أشخاص بارعون في إشاعة مناخ الخوف حولنا، فتراهم يحذرون دوماً ويخوفون من كل شيء، مما نأكل ومما نشرب ومما نلبس ومن طريقة حياتنا ومن تصرفاتنا وسلوكياتنا، يخوفوننا من الآخر وكأنهم يملكون قلوب الآخرين وعقولهم ويعلموا ما بداخلها وكيف يفكرون ويشعرون تجاهنا، تتوالى نصائحهم مفصلين الطريقة التي يتوجب علينا انتهاجها حتى لا نقع في الأخطار، الإشكالية الكبرى عند ممارسة هؤلاء لهوايتهم «التخويف»، هي في درجة تأثر المتلقي لذلك التهديد النابع من الخوف التي قد تتفاوت من شخص لآخر، ولربما تكون كثافة مشاعر الخوف لدى المتلقي قوية ما يجعل عواقب ردود الأفعال لديه أعظم من التهديد الناتج عن الخوف نفسه وبالتالي تتفاقم المشاكل لدى المتلقي وتزيد معاناته. في الغالب تلك الفئة من الناس يخوفون ويحذرون من شيء يكون قد تأصل بهم شخصياً فهم «يسقطون» ما يعانون به من نقص أو عيب في وصفهم للآخرين، لتجد أحدهم يحذرك ويخوفك من التعامل مع شخصٍ آخر لأنه «بخيل» مثلاً، بينما هو نفسه فيه من صفات الشح ما لا يطاق، لينطبق عليه مفهوم «الإدراك هو الصورة»، بما معناه أن ما نراه في الآخرين من صفات سلبية هي متأصلة فينا ويظهرها لنا عقلنا اللا واعي في محاولة رفض لهؤلاء الآخرين والتخويف منهم، ولدينا مثل في اللهجة النجدية يقول «كلٍ يرى الناس بعين طبعه»، فذو الطبائع الجميلة يرون في الآخرين الطبائع الجميلة والعكس صحيح.
إن الاستمتاع في إشاعة مشاعر الخوف من قبل البعض تنشأ بسبب ممارستهم «لعملية الإسقاط» التي في الغالب تكون بسبب شعورهم بالنقص، فنتيجة لعدم تقبلهم لذواتهم ولواقعهم وبالتالي لمن حولهم يعمدون إلى إخفاء ذلك النقص، فتبدأ «الأنا» لديهم في الاستحكام والسيطرة فيدعون بأنهم الأحسن والأفضل والأفهم بينما غيرهم لا يفقهون.
إننا نتعلم الخوف من المحيطين بنا فلا أحد يولد مع الخوف، وتحكيم إرادتنا وقوتنا في إدارة أمورنا يخدم مستقبلنا وتطورنا ونمونا فلا ندع مضطربي الشخصية يقودوننا إلى الهاوية، ولنتعلم قبول واقعنا وذواتنا بدون أي أقنعة مع النظر لأي حدث قد نفكر بأنه مصدر خوف وتهديد لنا من زاوية مختلفة ومن وجهة نظر مغايرة، لأن «تغيير الإدراك» والنظر لأي حدث من منطلق إيجابي سيؤدي إلى تغيير الواقع إلى ما هو إيجابي أيضاً.