«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
ليس غريبًا ولا عجيبًا أن تصبح عاصمتنا «الرياض» عاصمة جذب لمئات الآلاف من المهاجرين إليها من مختلف مناطق ومحافظات ومدن المملكة للدراسة والعمل، أو للعلاج في مستشفياتها التخصصية المختلفة. وهكذا نجد من هاجر إليها للإقامة والعمل أو للدراسة أو حتى لمراجعة الوزارات والإدارات والهيئات والشركات والمؤسسات المختلفة والمنتشرة فيها.. بل هناك من جاءها ليقضي فيها أيامًا عدة لإنجاز عمل فيها وإذا به يصبح من سكانها الدائمين.. نعم، ليس غريبًا أن تصبح بعد ذلك عاصمة عملاقة وشامخة. هذا، وكان المصدر الحضري لمدينة الرياض قد أصدر تقريرًا عن «المؤشرات الحضرية للمدينة» عام 1434هـ، يشير فيه إلى أن عدد سكان العاصمة بلغ 5,7 مليون نسمة. وبحكم أننا في عام 1438هـ فهذا يعني أن هناك زيادة قد حدثت خلال السنوات القليلة الماضية. والمقيم في العاصمة الحبيبة لا شك أنه على علم بأسباب هذه الكثافة السكانية التي هي نتيجة طبيعية بل حتمية لهذه الهجرة. ومع كثافة السكان بدأت العاصمة تعلن ضيقها، وحتى اختناقها من فرط الازدحام الذي سببه سكانها وزوارها والمترددون عليها؛ فكل يوم يأتي إليها الآلاف من المناطق والمحافظات والمدن المختلفة لإنجاز أعمالهم، أو لشراء بضائعهم، أو تسويقها.. لذلك نجد ملايين السيارات التي تسير في طرقها مع شقيقاتها من السيارات الواقفة بجوار الطرق أو حتى داخل الأحياء والشوارع والطرق الفرعية المتعددة.. كل هذه السيارات لا شك أنها تساهم في الاختناقات المرورية، وتسبب بالتالي الضيق والمعاناة لمن تتطلب ظروفه القيادة في شوارعها وطرقها. وبفضل الله، ومع توافر الإمكانات، سوف تتخلص العاصمة من نسبة كبيرة من السيارات والمركبات التي تتجول في شرايينها وأوردتها بعد إنجاز مشروعها العملاق (مترو الرياض). وكل مسؤول أو مواطن في العاصمة أو في غيرها يتطلع بلهفة لذلك اليوم الذي يبدأ فيه عمل «المترو»، الذي سوف يخفف من الزحمة والاختناقات المرورية في شوارعها وطرقها ومن نسبة كبيرة من السيارات المتوقفة على جوانب شوارعها بسبب أن نسبة كبيرة من الموظفين والعاملين داخل المدينة ومناطقها سوف يحضرون لأعمالهم من خلال المترو كما يحدث في مختلف عواصم العالم الكبرى، وكما هو متوقع..؟! لكن حتى الآن لم نجِب على تساؤلنا الذي حمل عنوان «الإطلالة» بصورة دقيقة وواقعية. والحق إن من أهداف الهجرة للعواصم والمدن، وفي مختلف دول العالم، خلفها أسباب عدية، من أهمها:
1 - الدراسة؛ فمجالات الدراسة فيها أكثر لتوافر العديد من الجامعات والكليات والمعاهد العليا؛ وبالتالي تنوع مجالات التخصصات. وعادة لا يتوافر التخصص المطلوب إلا في العاصمة، وهكذا.
2- وجود جميع الوزارات والإدارات العليا لأجهزة الدولة الموقرة في العاصمة يتحتم على من له حاجة لمراجعتها أو استكمال إجراءات معاملته التردد عليها لإنجازها.
3 - وجود المستشفيات المتخصصة فيها، كمستشفى الملك فيصل التخصصي، ومستشفى الملك خالد التخصصي للعيون، وغيرهما من المستشفيات والمراكز الطبية والصحية الكبرى العامة، أو حتى الخاصة، يجعل طالب خدماتها يتوجه إليها.
4 - وجود سفارات دول العالم في العاصمة ساهم أيضًا في تردد المئات من المواطنين والمقيمين الذين هم بحاجة لخدمات هذه السفارات مراجعتها.
5 - قبل سنوات قليلة كان لا تتوافر في المناطق والمحافظات والمدن المراكز التجارية الكبرى ووكالات الشركات كما هو الحال في العاصمة؛ لذلك يتردد العديد من المواطنين عليها للتسوق والشراء.
وهكذا نجد أن هذه الأسباب مجتمعة ساهمت إلى حد ما في هجرة المواطنين من مدنهم وقراهم إلى العاصمة؛ وساعد ذلك بطريقة مباشرة وغير مباشرة في زيادة أعداد سكان العاصمة من مواطنين ومقيمين؛ وساهم أيضًا في الضغط على الخدمات؛ ما شكل أعباء على مقدمي الخدمات في العاصمة، سواء كانت عامة أو خاصة. ومع ما تشهده العاصمة من مشاريع تطويرية هنا وهناك، وفي مختلف مناطقها وأحيائها، فهي بحاجة للمزيد والمزيد.. فهي ومع إشراقه كل صباح تتجدد وتنمو وتتمدد في مختلف الاتجاهات..؟! والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه «الإطلالة» هو: كيف نحد من الهجرة للعاصمة؟ وما السبل إلى ذلك؟.. ولو نجحنا في الحد من ظاهرة الهجرة إلى الرياض سوف يفيد ذلك أيضًا المناطق والمحافظات والمدن التي هاجر منها سكانها وقدموا إلى العاصمة، وذلك من خلال توفير الخدمات كافة التي تتطلب منهم القدوم للعاصمة لإنجازها، وترك اللامركزية في اتخاذ الإجراءات التي تتطلب القدوم للعاصمة، ولنوفر في المدن ما يجعلها مدن جذب وتوطين وسكن دائم. والحق المعاش أنه حصل في العقود الأخيرة تطور مذهل في مختلف مدن المملكة، ووُفر فيها نسبة كبيرة من احتياجات السكان إلا أنها بحاجة إلى المزيد من الاهتمام والتطوير وحتى الخدمات.. مع تفعيل الخدمات الإلكترونية التي سوف تساهم في خدمتهم؛ وبالتالي لا يحتاجون إلى المراجعة للعاصمة أو إلى المدن الرئيسة بالمناطق والمحافظات..؟!