على عكس مما كان متوقعًا من قبل الكثيرين أصبح ترامب رئيسًا منتخبًا للولايات المتحدة الأمريكية بينما خسرت هيلاري فرصتها الكبيرة في العودة للبيت الأبيض كرئيس بعد أن خاضت مسبقًا قبل سنوات تجربتها كزوجة لرئيس أمريكا، ولكن ما الذي حدث فجاة وأفشل مخطط هيلاري بأن تكون أول امرأة ترأس أمريكا كما كان متوقعًا من الجميع. بحسب ما حلل البعض من الساسة الغربيين فإن هنالك أسبابًا أدت إلى نكبة هيلاري بشكل مفاجئ وبالتالي إقصاؤها عن كرسي الرئيس وأول تلك الأسباب هو ادعاء هيلاري المتواصل أنها المرشح الأكثر تأهيلاً وترديدها المستمر لما في سيرتها الذاتية من خبرات سياسية مثل تجربتها كسيدة أولى، ووزير دولة وعضو في مجلس الشيوخ. إن التركيز المتواصل من قبل هيلاري على هذه المؤهلات السياسية شكل مقتلاً لها حيث جعلت أنصار ترامب يوجهون هذه الميزة لصالحهم ولجذب الرأي العام لدعم ترامب وخصوصًا أن الكثير من المواطنين الأمريكيين غير مهتمين بوجود رئيس محنك سياسيًا وإنما هم يميلون لانتخاب رئيس ذي خبرة ناجحة في النواحي الاقتصادية ومتقنًا لصنعة حل الأزمات المالية وخلق الوظائف لعدد كبير من الأمريكيين، ولذلك كان هنالك كراهية واسعة النطاق لهيلاري كلينتون لكونها سياسية من الطراز الأول وستأتي بمزيد من الوعود كما هو حال أوباما في حين كان هنالك تقبل كبير لرجل الأعمال البارز دونالد ترامب الذي كان يزور الولايات ويعدها بالإصلاح وتقوية الاقتصاد فيها فضلاً عن طرد من يسرقون وظائف الأمريكيين ويستنزفون ثروات بلادهم ويهددون أمنها القومي.
السبب الرئيس الآخر الذي ربما أطاح بفرص هيلاري بشكل حاد هو مشكلة الثقة التي عانت منها هيلاري كلينتون لفترة طويلة خاصة فيما يتعلق بفضيحة بريدها الإلكتروني التي أدت لخسارتها ثقة كثير من الأمريكيين ليس فقط من الطرف الجمهوري بل وأيضًا من الطرف الديمقراطي ومما زاد من حدة أزمة الثقة هذه تراكم ثروات هيلاري وزوجها الرئيس الأسبق لأمريكا منذ مغادرتهما للبيت الأبيض، فضلاً على أن وقع تصريح مدير مكتب التحقيقات الاتحادي جيمس كومي حول اكتشاف تطورات جديدة بقضية البريد الإلكتروني الخاص بكلينتون كان مدمرًا على حملتها الانتخابية للرئاسة حيث أدى هذا التصريح إلى تراجع كبير في استطلاعات الرأي لها.
إن حقيقة أن هيلاري أنثى لم تفدها في سياق كسب أصوات بنات جنسها وبالذات الشابات الأمريكيات حيث إن هيلاري واجهت في الانتخابات التمهيدية صعوبة في تحميسهن على فكرة الإقتراع كما أن ردود فعل هيلاري كلينتون تجاه فضائح زوجها الجنسية طاردتها مؤخرًا وخصوصًا أن هيلاري قامت قبلاً بمهاجمة النساء اللواتي اتهمن زوجها بالتحرش بهن، وعوضًا عن حصولهن على دعم من هيلاري أو تعاطفها إلا أنها حاربتهن بشكل شرس مما ولد كرهًا لها من الأطراف النسائية التي تناضل ضد الاعتداء الموجه للمرأة وبالذات التحرش وكافة أنواع الاعتداء الجنسي. أيضًا أسهم النمط التقليدي من الناخبين الذكور الأمريكيين والمعروف عنهم عدم ثقتهم بقدرة المرأة على إدارة شؤون دولة مهما بلغت من خبرة سياسية.
أيضًا أسلوب هيلاري الحواري من ردود مصطنعة وخطابات روبوتية مجهزة مسبقًا بدت وكأنها تسجيلات صوتية مسبقة الصنع أبرزت للعديد من الناقدين ضعف قدرتها الطبيعية على النضال وعدم مصداقية كلماتها وبالتالي وصفها بالخبث من قبل الشعب الأمريكي بينما كان يوصف ترامب في كل مرة بالصدق والصراحة في كلامه وتصريحاته وعلى الرغم من تمتع الرئيس الأمريكي السابق أوباما بكاريزما خطابية فذة استغلها مرارًا في عام 2008 وعام 2012 لمناشدة الأمريكيين الأفارقة على نطاق واسع إلا أن هيلاري لم تقم بذلك في حملتها إلا بشكل خاطف وسطحي.
وأخيرًا فإن الكثير من الأمريكيين يرون أن وجود أوباما كرئيس لهم حدث كارثي وبذلك فإن دعمه الحثيث للسيدة هيلاري في التصويت لربما شكل كارثة ليس فقط على هيلاري وإنما كلعنة على الديمقراطيين ككل.
الأمريكيون يبحثون عن آفاق لمستقبل مختلف عمّا كانوا عليه في عهد أوباما وهم في المجمل يريدون التغيير الذي يضمنه لهم ترامب كرئيس خاصة بعد أن عانى المواطن الأمريكي من الملل طيلة سنوات أوباما وبناءً عليه فإن إعراض الكثير من المواطنين الأمريكيين عن هيلاري هو تقديمها للمزيد من نفس السياسة وعدم طرحها لأي جديد.
كوثر خلف حامد - مبتعثة للدكتوراة في أمريكا وكاتبة في شؤون المبتعثين الأمنية والاجتماعية