أحاول في هذا المقال أن أُتم ما طرحته في المقال السابق حول فلسفة الدين والتأويل في الفكر العربي المعاصر، فمن المؤسسات الفلسفية الفكرية المهمة في الاهتمام بفلسفة الدين مؤسسة (مؤمنون بلا حدود) التي طرحت الأديان عمومًا والشريعة الإسلامية خصوصًا للبحث الفلسفي عبر ندواتها و مؤتمراتها المهمة جدًا؛ وعبر العديد من إصداراتها لنخبة من المفكرين في العالم العربي . فمن الندوات (التأويل في الفكر العربي الإسلامي) وحاضَرَ فيها العديد من المفكرين منهم محمد المصباحي بعنوان (الزمن التأويلي)، ومحمد محجوب تحت عنوان (في شروط التجدد التأويلي) وغيرها من المحاضرات . كما أن المؤسسة نشرت في موقعها العديد من البحوث المهتمة بفلسفة الدين والتأويل منها: السيميائيات وتأويل النص الديني لسعيد بنكراد، التأويل والشريعة: مساهمة ابن رشد في تأويليات النصوص المقدسة لخورخي غراصيا ترجمه فؤاد أحمد، وحوار مطول في الفلسفة والتأويل مع حسن تفروت، الرشديون الجدد لمحمد بنحامي و غيرها من البحوث . وقد أصدرت المؤسسة كتاباً يضم العديد من البحوث المهمة في التأويل وفلسفة الدين تحت عنوان (الهرمينوطيقا وإشكالية النص) ومن بحوثه المنشورة : «هرمينوطيقا الفنّ عند غادامار: في الدلالة التأويلية للمعاصرة الجماليّة» لفوزية ضيف الله، ومقال بعنوان «هيدجر والتحول التأويلي» لهانس ألبرت ترجمه عبدالسلام حيدر وغيرها من البحوث . وبعد هذا التطواف المقتضب على فلسفة الدين في الفكر العربي، لعلنا ندرك أن الحاجة إلى البحث في فلسفة الدين يتحتم أكثر في مرحلتنا الآنية التي طغت عليها الكثير من العنف في فهم النص الديني والنص التراثي، وهذا ما جعل محمد شحرور يَحمَد هذه المرحلة العنيفة التي نعيشها باعتبارها هي المحفز الأكبر لنا للبحث في فهم النص الديني وإعادة تأويله، وله العبارة المغرقة في التحرر التأويلي التي يقول فيها : (الله حي ونحن أحياء، والقرآن كلام الله الحي يخاطب الإنسان الحي) (من حوار له في برنامج حديث العرب، بتصرف)، فنحن حينما نبحث في فلسفة الدين فإننا نحاول إحياء ما قتله الفهم الذي يرجح العنف ويتخذه سبيلًا للحكم والمعيشة الإنسانية، فلا يمكن لنا أن نتعامل مع النص المقدس بآليات قديمة وافقت العصور الماضية؛ لأن النص واحد لكن الأفهام متعددة بتعدد المفكرين، وإخضاع الفهم لأفهام سالفة والوقوف عندها يجعلنا نتشتت بين النص القابل للتأويل والواقع المغايتمامًا للماضي؛ مما يحيلنا إلى انتقائيين؛ نختار من النص التراثي ما يوافق واقعهم لنطبقه على واقعنا؛ ولعل علماء الزمن الماضي لو عاشوا عصرنا لغيروا الكثير من آرائهم بالاعتماد على النص الديني غير متجاوزين له؛ ولهذا فإن التأويل يحيي النص الديني ولا يميته .
- صالح بن سالم
_ssaleh_ @