حكاية شعبية من الجزائر
يُروى أن فتاة لم تخرج طوال حياتها للعمل خارج البيت، ذات يوم مرت جماعة من الفتيات ونادينها للذهاب معهنّ للاحتطاب، فلبّت الدعوة، وحين وصلت إلى الغابة وجدت عصا جميلة مزركشة التقطتها وقالت: «سآخذها لأخي الصغير ليلعب بها..» ثم جمعت قليلاً من الحطب، وحاولت أن تحزمه، غير أن الحزمة كانت سرعان ما تنفرط لوحدها. وظلت تكرر الحزم، وينفك الرباط من جديد حتى جاء المساء فقررت الفتيات المرافقات لها العودة إلى منازلهن، فبقيت الفتاة المسكينة لوحدها تحاول جمع حطبها لكنه سرعان ما يتبعثر! ولما أعياها الأمر رمت بالحطب جانباً واحتفظت بالعصا المزركشة، وفجأة نطقت العصا وقالت: «في يوم ممطر، سوف أرسل لك جمالاً محملة بالهدايا كمهر لك! وأتزوجك!».
رجعت الفتاة إلى البيت، وحكت لأمها ما جرى لها في الغابة! لما جاء اليوم الموعود تزوجها «عصفور المطر» وعاشت معه سعيدة. وفي يوم قالت له: «أريد أن أزور أهلي؟ «فسمح لها بالذهاب لزيارة أهلها، وقدم لها كبشاً وأوصاها بأن ترعاه وتحافظ عليه، وأن يظل ملازماً لها، لا يبتعد عنها طوال غيبتها عن البيت الزوجي.
في بيت أهلها سألتها أخواتها عن أحوالها وعن زوجها، فقالت: «إنني سعيدة. غير أني لم أر وجه زوجي أبدا، فهو ينهض في الصباح الباكر، ولا يعود إلا في آخر النهار.» فقلن لها: «قد يكون وحشاً!؟. أو قد يكون متزوجاً عليك بامرأة أخرى، ولا يريدك أن تعرفي ذلك!؟. يا أختنا العزيزة سوف نصنع لك سبعة مصابيح! قومي بإشعالها قبل أن يعود إلى البيت، أخفيها في قدر، ولما ينام أخرجيها وانظري في وجهه لتتعرفي على حقيقته!».
سمع الزوج كل شيء لأنه كان متخفياً في هيئة الكبش الذي يرافقها! وفي طريق العودة ظل يحذرها مكرراً قوله لها: «أيتها الشقية! سوف تكون مصابيح أهلك سبب شقائك!» فكانت كلما سمعت تحذيره ترمي بأحد المصابيح! ولما لم يبق معها سوى مصباح واحد، أقسمت أن تحتفظ به، وتحمله معها إلى البيت، وعندما وصلت إلى المنزل خبأته في القدر مشتعلا!
وحين جاء المساء عاد زوجها ونام، فتذكرت كلام أخواتها، فحملت المصباح، وتأملت في وجه زوجها النائم وفي جسده! فوجدته في غاية الجمال! نظرت إلى أصابع يديه العشرة فوجدتها تحمل جميعاً خواتم ذهبية سحرية تلمع! وجهت الحديث لكل خاتم قائلة: «لمن تعمل أنت؟!» أجابها كل خاتم قائلاً: «من أجلك ومن أجلي لو لم تكوني متهورة؟!» ولما أطفأت المصباح سقطت قطرة من زيته على شاربه. فاستيقظ وهرب! واختفى عن ناظريها، فمشت ببطء تتبع آثاره، غير أن الأثر اختفى، ولما وصلت إلى مرج نصفه أخضر ونصفه الآخر جاف! تعجبت وقالت: «سبحان الله! هذا مرج واحد. نصفه مخضر! ونصفه الآخر مصفر؟!» نطقت الجهة اليابسة من المرج قائلة: «تلك الجهة المخضرة وقع فيها عصفور المطر ليستريح!» فرحت لهذا الخبر لأنها تأكدت بأن زوجها مرّ من هنا. تابعت طريقها إلى أن وصلت عند شجرة نصفها مخضر ونصفها مصفر يابس! تعجبت من المنظر! قالت لها الجهة اليابسة:» لقد قطع عصفور المطر غصناً من تلك الجهة ليستعمله مروحة فاخضرت فرحت بهذا الخبر وتابعت طريقها إلى أن وجدت عينين من الماء، منبثقتين من نفس النبع. كانت إحداهما تتفجر ماء عذباً! بينما جفّت الأخرى! استغربت لما رأت فردت عليها العين الجافة قائلة: «لقد مر من هنا عصفور المطر ولما أحس بالعطش شرب من تلك العين التي ترينها ممتلئة ماء!» فرحت مرة أخرى وظلت تسير إلى أن شارفت على منزل أمه.
ترقبها زوجها عصفور المطر، ولما اقتربت اعترض طريقها وحذرها قائلاً: «إن أمي غولة! ستجدينها متربعة على الأرض تطحن الحبوب. وقد رمت بثدييها على ظهرها! خاتليها وارتمي على ظهرها وارضعي لبنها. عند ذلك لن تفترسك!» فعلت ذلك، فقالت لها الغولة: «آه. لو لم ترضعي مني لافترستك وافترست كل من يمشي على ثرى بلدك.» قال عصفور المطر لأمه:» إنها زوجتي يا أمي.» فرحبت بها.
وبعد مرور أيام غاب عصفور المطر عن المنزل. قالت الغولة للزوجة «سوف أخرج لقضاء حاجتي ولما أعود إلى المنزل أجدك وقد غسلت البيت جيداً. لو وجدت شيئاً قليلاً من الغبار سأفترسك في الحال!».
خافت المرأة على نفسها من الغولة وجلست تبكي فدخل عليها زوجها فجأة وسألها عما بها. ولما أخبرته: قال لها «هذا جزاؤك لأنك أطعت أخواتك ولم تعملي برأيي!». أردف قائلاً بعد ذلك: «اذهبي عند تلك الصخرة ونادي الأنهار قائلة «أيتها الأنهار تعالي لتغسلي بيت عصفور المطر، الذي تزوج ويريد أن يقيم عرساً!» ففعلت ما قال لها، ولما عادت الغولة تهيأت لتفترسها لأنها تعلم عجزها عن غسل البيت الكبير بمفردها! لكنها لما وجدت البيت نظيفاً يلمع هدأت شيئاً ما، لكنها ظلت تشك في قدرتها على القيام بمثل هذا الفعل لوحدها! في اليوم التالي أفرغت الغولة كل ما تحتويه أكياس المؤونة من حبوب: قمح وشعير وعدس ولوبيا إلخ. خلطتها، ثم طلبت منها أن تفصل كل نوع على حدة، وهددتها بالافتراس إن لم تفعل ذلك!
جلست الفتاة تبكي مرة أخرى، ولما جاء زوجها سألها عن سبب بكائها فأخبرته بما حصل، فأشفق لحالها وأشار عليها أن تقصد الربوة المجاورة، وأن تنادي: «تعال أيها النمل لتفرز الحبوب وتنظفيها من الشوائب. لأن عصفور المطر تزوج ويرغب في إقامة العرس!». جاء النمل أسراباً أسراباً وقام بفرز الحبوب وتنقيتها من الشوائب، ثم انصرف، لما عادت الغولة ووجدت أكياس الحبوب المفروزة والمنظفة شكت في الأمر، وقالت في نفسها:»لا شك أن كل هذا من حيل ولدي عصفور المطر؟!. وفي اليوم التالي لما استيقظت الغولة نادت على زوجة ابنها وقالت لها: «إني مريضة، وشفائي لن يحصل إلا إذا توسدت مخدة محشوة بريش الطيور! قومي بنزع ريش جميع الطيور، ولو تبقّى منها واحد بريشة واحدة سوف أفترسك؟!.
جلست المرأة تبكي وحين جاء عصفور المطر نصحها بأن تنادي على الطيور وأن تخبرها بأنه مريض، ففعلت ذلك فجاءت الطيور أسراباً وانتفضت حزناً على عصفور المطر، حينذاك سقط ريشها جميعاً، فقامت الفتاة بجمعه وحشت به المخدة. لما عادت الغولة ووجدت مخدة الريش كتمت غيظها، وعند الصباح قالت لها: «لا شك أن الطيور التي نزعت ريشها تعاني من البرد القارس، أريد منك أن تعيدي الريش إلى موضعه في أجسادها وإلا سوف أفترسك! لا أريد أن يبقى طير واحد بدون ريشة واحدة!..
دخل عليها عصفور المطر فوجدها تبكي. فذكرها بخطئها لما لم تعمل بنصيحته ووقعت ضحية توجيهات أخواتها الغيورات، ثم قال لها: «نادِ الطيور وترجِّ منها أن تسترد ريشها وقولي لها بأن عصفور المطر شفي من مرضه، وأنها بإمكانها الآن أن تسترجع ريشها». ففعلت ما أمرها به، وجاءت الطيور أسراباً أسراباً، فأخذت ريشها جميعاً!.
أحس عصفور المطر بأن أمه ستفترس زوجته في تلك الليلة! فجاء في المساء ورجاها أن تنام في غرفة في المنزل كانت منعزلة عن بقية الغرف ولما تأكد من نومها قام بإشعال النار في تلك الغرفة، فماتت الأم أما الزوجة فقد عاشت سعيدة مع زوجها عصفور المطر.
... ... ...
رسوم:
1 - دالين وليد مطالقه 11 سنة
2 - عبدالجابر عائد 10 سنوات
3 - محمد يوسف راضي 10 سنوات
4 - ورد عمار الخياط 9 سنوات
5 - زينة رائد اللحام 10 سنوات
6 - جوانا مازن سابا 8 سنوات