سعد بن عبدالقادر القويعي
أبعاد متعددة لحرب غير متكافئة تجري في الموصل هذه الأيام، اعتمدتها إستراتيجية الصدمة، والرعب، والحرب النفسية؛ من أجل إدارة الرأي العام، وتهيئة الأجواء لحالة الحسم الكبرى، عن طريق إفراغ الموصل - تمامًا - من العرب السُّنَّة، من خلال التهجير القسري، والاغتيالات، والقتل الجماعي باستخدام القوة العسكرية لقوات الحشد الشعبي، والجهد الاستشاري، أو القتالي للحرس الثوري الإيراني؛ وليتماشى السيناريو الإيراني المساير للسيناريو الأمريكي في التهجير، والتطهير العرقي الطائفي للمكون السني.
تناغم سياسات بغداد، وطهران في تنفيذ سياسات التغيير، تعتبر أول هذه المعطيات المتعلّقة بالتوقيت، والذي يتصل في حسابات المصالح بين الطرفين، حيث يسعى نظام الملالي إلى رفع العوائق أمام إيران؛ لإنشاء ممر المتوسط الذي سيمر بداية من محافظة ديالى العراقية، والتي شهدت أسوأ حملات التطهير العرقي، والطائفي، ومن ثم يمتد نحو محافظة صلاح، حيث شهدت هي الأخرى عمليات الإفراغ من المكون السني؛ بحجة محاربة التطرف، وقبل أن يصل الممر الإيراني إلى الموصل، حيث تفتقر إيران للعناصر الموالية لها في هذه المنطقة؛ لربط العاصمة الإيرانية ببوابة بحرية تطل على البحر الأبيض، وتسقط الحواجز بينها، وبين دول أوروبا، وهو ما كشف عنه مسؤول أوروبي لصحفية «أوبزيرفر» البريطانية، بأن: «النظام الإيراني يخطط لربط الموصل العراقية بسوري»، مؤكداً أن «هذا السيناريو جزء من مخطط إيراني أوسع؛ لأنه سيخترق سيادة ثلاث دول، هي: العراق، وسوريا، ولبنان بعد أن كبدها ضحايا ثقيلة في الأرواح، والأموال».
ما يحدث اليوم - مع الأسف - هو نتاج مخطط رهيب ذي أبعاد، وغايات خطيرة، تهدد بصوملة العراق، وتعمل على إعادة صياغة هوية العراق، ورسم خارطته المذهبية، والسكانية، والاجتماعية من جديد، بعد أن احتكر فريق بغيض مقاليد السلطة، مرتكباً أبشع جريمة في حق عمود التوازن في المجتمع العراقي، باعتبار أن عمليات التغيير الديموغرافي التي تقوم بها الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، هي ترجمة حقيقية على أرض الواقع لفكرة تحويل العراق إلى ثلاث فدراليات، بحسب المشروع الذي اقترحه «جوزيف بايدن» عندما كان سيناتوراً للحزب الديموقراطي الأمريكي، وأقرّه رسمياً مجلس الشيوخ الأمريكي في 26-9 -2007 م، وبأغلبية «75 « صوتاً مقابل «23» صوتاً، وسوف ينفذ فعلياً على أرض الواقع في العراق.
يبدو أن التوازن الذي فرضته الاعتبارات الإقليمية، والدولية أصبحت محسومة، - خصوصاً - في ظل توظيف البعد الأيديولوجي، كون الحلقة الاستحواذية هدفها تنظيف الأرض العربية من نتوءات مقاومة النفوذ، والاستحواذ الإيراني، وبحجة محاربة تنظيم «داعش»، وهي إشارة واضحة على رغبة إيران في تقليص المساحة الجغرافية الواسعة التي تتبع المكون السني، فيما لو تم تقسيم العراق مستقبلاً، وهو ما يؤديه الدور الأمريكي الكبير في تحقيق تلك السياسات الخطيرة في المنطقة؛ حيث إنه اتَّبع سياسة انتقائية أحادية الجانب؛ لمواجهة الدول السنية في تلك المعادلة، والذي يلتقي مع المشروع الإيراني.