د. صالح بن سعد اللحيدان
سبيل الحكم وأساسه أنه قدرة نوعية حية ذات أبعاد قوية في كل اتجاه.
فالقوة الحكيمة المغلفة بالدهاء الفطن والتمييز القوي المدرك وشفافية الاختيار لكل ذي منصب ومركز مهما كان هذا وذاك.. كل هذا يصب في دائرة الصواب المستقيم.
وأصل الحكم أنه الشد بقوة عاقلة متوازنة؛ ليدرك هذا ويدرك ذاك أن الحكم هو الحكم، ولا مناص ولا جرم.
فالقضاء أو أي مرفق من مرافق الدولة ذات الحساسية هذا أمر يجب التنبه له؛ لأنه أصل في حياة الخلق؛ فإن القاضي إياه الأصل فيه أن يكون قاضيًا بفطرة حية، لا تزول.
قلتُ: وقد أجمل ابن خلدون / والقرافي / والأمدي / وابن حزم / والسرخسي / وابن فرحون / وابن قدامة / وابن رجب / وابن حجر / والنواوي.. أجملوا حقيقة هذا النهج على نحو خالد، ليس يبيد، وأورد هنا مجمل هذا كله فيما حكاه صاحب الروض الإمام البهوتي في ج2 ص472 / 473 / 474؛ إذ قال هناك يشرح كتاب الزاد للإمام أبي النجا موسى ابن أحمد الحجاوي فهو يقول:
باب آداب القاضي
أي أخلاقه التي ينبغي له التخلق بها, (ينبغي) أي يسن (أن يكون قويًّا من غير عنف)؛ لئلا يطمع فيه الظالم, والعنف ضد الرفق, (لينًا من غير ضعف)؛ لئلا يهابه صاحب الحق, (حليمًا)؛ لئلا يغضب من كلام الخصم، (ذا أناة) أي تؤده وتأنٍ؛ لئلا تؤدي عجلته إلى ما لا ينبغي, (و) ذا (فطنة)؛ لئلا يخدعه بعض الأخصام. ويسن أيضًا أن يكون عفيفًا بصيرًا بأحكام من قبله».
وقال أيضًا: «ويستحب أن لا يحكم إلا بحضرة الشهود؛ ليستوفي بهم الحق، ويحرم تعيينه قومًا بالقبول (ولا ينفذ حكمه لنفسه. ولا لمن تقبل شهادته له) كوالده وولده وزوجته, ولا على عدوه كالشهادة, ومتى عوضت له أو لأحد ممن ذكر حكومه تحاكما إلى بعض خلفائه أو رعيته كما حاكم عمر أبيا إلى زيد بن ثابت. ويسن أن يبدأ بالمحبوسين، وينظر فيم حُسبوا, فمن استحق الإبقاء أبقاه, ومن استحق الإطلاق أطلقه, ثم في أمر أيتام ومجانين ووقوف ووصايا لا ولي لهم, ولا ناظر».
وتدبر ما أوردته آنفًا قراءة وتأملاً وشدة تدبر هذا لعله يفي بالغرض.
وكثيرًا ما نبهت القضاة ورئيس المحاكم إليه منذ عام 1400هـ حتى عام 1403هـ.
واليوم توسعت المدارك، وتوسعت العلوم، وأصبح العالم كقرية واحدة، يستفيد هذا من ذاك؛ فيتوسع العقل، وتتفتح المدارك. ولعل هذا يوجب طول التأني وسعة البال، ويوجد - بإذن الله تعالى - مكتسبات، لعلها تسد مسد بعض صفات الموهبة إذا لم تكن ذات وجود.
ومن المعلوم أن القاضي أو أي مسؤول إلى الوزير، أي وزير، إنما يتحمل الأمانة؛ لأن ولي أمر المسلمين خوله الأمانة؛ فهو يتحمل ما تحمله، وعليه فإنه يجب أن يفي بالأمانة بكمال نظر، وبقوة، وإدراك، ونزاهة.. ولا شك أن حفظ أمن الدولة وحفظ هذا الدين والعقل والمال والنفس إنما ذلك يعود إلى هؤلاء، ولا يجب أن يكون ولي الأمر محط نقد أو تجريح؛ لأنه جعل من جعل ليقوموا بما وُكّل إليهم على سواء مستقيم.
وعود على بدء، أبين في هذا الجزء من هذا المعجم بعض روادف القضاء:
أولاً / الحكم.. الأمر والإلزام به على وجه بيّن.
ثانيًا / الحكم.. قوة النظر والحكم بعدل حكيم عاقل.
ثالثًا / الحكم.. النظر المطلق والقضاء يسد مسد ولي أمر المسلمين؛ فيتحمل القاضي الذمة، كذلك من شكا له.
رابعًا / الحكم.. مصدر أصلي أصله حكم يحكم ينظر بقسطاس مبين.
خاسمًا / وحكم.. فصل في القضية.
سادسًا / ويحكم.. يفصل فهو مستمر في هذا.
سابعًا / الحاكم.. والقاضي بينهما العموم والخصوص من وجه؛ فالحاكم أعم كذلك قال أهل اللغة وعلماء الأصول في سياسة النظر.