سهام القحطاني
إن أي حكم فقهي مرتبط «بحجة توجسية» لايمكن تثبيته كقاعدة حكم صحيحة التشريع. وهذه المسلّمة يمكن أن ترهصّ لنا سبب عداء المدونة الفقهية السنية ذات الجذور الحنبلية للمرأة.
وقبل التوغل في علاقة المدونة الفقهية الحنبلية بالمرأة،يجب أن نقف أمام مسألة مهمة وهي أن المدونة الفقهية ليست معادلا للدين إنما هي مجموع من التفسيرات و التأويلات و الاجتهادات التي صيغت وفق ظرفيات متفرقة ،وهو ما يجعل صلاحيتها غير مطلقة،ولذلك قلت أنها ليست معادلا للدين. عندما ظهر الإسلام غيّر كل المفاهيم التي ارتبطت بالمرأة عند عرب الجاهلية،فساوى بينها وبين الرجل في كامل الوثيقة الحقوقية و قواعد الثواب و العقاب،وهو مايعني أنهما متساويان في مستوى القدرة و المسئولية ،ولو كان هناك اختلاف في مستوى القدرة و المسئولية ما ساوى بينهما في قواعد الثواب و العقاب،وهو ما تخالفه المدونة الفقهية التي تعتمد في أحكامها المتعلقة بالمرأة على طبيعتها الفسيولوجية بالمقارنة مع الطبيعة الفسيولوجية للرجل،وكأن نوع الطبيعة هو مصدر التفوق،وليست القدرة و المسئولية التي رسخ الإسلام وفقهما الوثيقة الحقوقية للمرأة والرجل معا،وبذلك فالمرأة خضعت و ماتزال تخضع لتمييز فقهي حوّلها إلى إنسان درجة ثانية،وهو ما يتناقض مع طبيعة التشريع الأصلي.
إضافة وهو ما أحسبه أمرا خطيرا إلى أن المدونة الفقهية الحنبلية التي أسست فيما بعد الفكر اليمني الديني المتطرف تأثرت في صياغة أحكامها بالعادات و التقاليد والظرف التاريخي،و المادية المحضة القائمة على النفع و الضرر وليس على تمثيل حق القيمة.
و لاشك أن لهذا التأثير سلبياته التي انعكست على حقوق المرأة في العمل الجماهيري بما فيها السياسة بل و قيمة عمل المرأة في ذاته.
تعتمد المدونة الفقهية في قاعدة تشريع أحكامها المتعلقة بالمرأة على «الحجزو الإزاحة»من أي نشاط جمعي لثلاثة اعتبارات؛ الضعف، الفتنة الحماية،وكل تلك الاعتبارات الوهميّة حولت المرأة داخل المدونة الفقهية إلى «مخلوق غير كامل الأهلية» تحتاج إلى وصاية وكفيل لقيادتها، ومن هذه القاعدة التي تخالف أصل التشريع صاغت المدونة الفقهية أحكامها في تقرير «مصير المرأة» وهي أحكام جائز الطعن على بطلانها بما أن هناك ما يُفسد طبيعة القاعدة المؤسِسة لها.
ومن هذا المنطلق تُحرّم المدونة الفقهية الحنبلية العمل السياسي للمرأة باعتبارها غير كاملة الأهلية تحتاج إلى من يحميها و يقودها،فكيف تصبح حامية و قائدة.
إضافة إلى أن مؤسِس المدونة الفقهية هم رجال،ولذا لايمكن تجنب النوع وبقايا فكر الوأد الجاهلي في تأثيرهما على الأحكام الفقهية المتعلقة بالمرأة. كما أن المدونة الفقهية اعتمدت النموذج السيء للمرأة كبرهان تبريري لأحكامها التمييزية نحو المرأة،وهو ما يعني أنها تقرّ «الشر والنقص»كأصل لطبيعة المرأة معتبرة بأن الخيرية والفلاح استثناء ولذلك تُحيّده كمؤسس لقاعدة تشريعية لحكم،في حين أن الأمر مختلف مع الرجل إذ تٌحيّد طبيعته وتربط نوع الحكم بنوع الفعل أو الفكر الحاصلين.
ما أقصده إن أحكام المدونة الفقهية المتعلقة بالمرأة مبنية على «تصور سابق بشرانية المرأة» أي صياغة حكم قائم على أثر مؤكد الوقوع ،وتلك الشرانية هي التي تؤسس في ضوئها المدونة الفقهية حكم «الحجز والإزاحة» عن الوسط الخارجي بمسوغ أن «حجزها جالب للخير» و«خروجها و اندماجها مع الجمعي جالب للشر».
في حين أن أحكام المدونة الفقهية المتعلقة بالرجل مبنية على «حاصل الفعل» أي أن التصور مقيّد باللاحق،وهو بناء لايمكن استبعاد طبيعة الفاعل عن تأثيره،فالرجل يملك الخير،ولذا تؤجل المدونة صياغة حكم قائم على أثر متوقع. وهو ما يؤكد بصورة جلية قصدية الوأد الفقهي للمرأة.