د. فهد بن علي العليان
تردد صاحبكم كثيرًا في الكتابة عن حكايات إبراهيم؛ إِذ هي في الحقيقة حكاية عن إبراهيم الذي أمتع قارئيه، والآن يمتع سامعيه، ويسمعهم ما يطربهم. والسؤال: كيف أكتب حكايته على جدار بيته، وكل ما أخشاه - مع لطفه ولينه - أن يمسح طباشيري بممحاته.
خلال أيام وليالي كان إبراهيم عبر قناته ونقائه يحكي لنا بعيد الفجر ما يجول في خاطره عن طفولته ونشأته، عن دراسته ومذياعه وعن عمله وانتقاله لانتقائه في جهات متعددة، ثم عن أفكاره وفكره مجيبًا على تساؤل ومتفهمًا لعتاب، لا يذكر اسمًا إلا نادرًا في موضع ثناء أو شكر، وقد استطاع بما منحه الله من دربة ودراية أن يقفز الحواجز دون المساس بها، فلا سقطت الحواجز ولا تعثر الحصان.
دعوني أيها القراء الكرام أسوق جزءًا من حكايته، أسوقها إليكم أملاً إن يسمح صاحب الحكاية بكتابتها على أوراق دفتره وداخل صفوف مدرسته. إبراهيم الكبير كان صغيرًا نابهًا متفوقًا على أقرانه، لم يرض طوال مشواره بغير المرتبة الأولى والترتيب الأول، واللافت أنه عشق الإذاعة والمذياع منذ صغره، والجميل أنه استضاف في بيت والده - وهو في الثانية عشرة من عمره - استاذه في المعهد العلمي الذي أصبح عالمًا كبيرًا وشيخًا جليلاً وعضوًا في هيئة كبار علماء المملكة يشار إليه بالبنان، بل واللافت للنظر أنه كان يشرف عليه في الإذاعة في أثناء دراسته المرحلة المتوسطة. وتستمر حكايته ليدرس الجامعة في الرياض بعيدًا عن مدينته التي عشقها - وأهلها عاشقون لمعشوقتهم - ويتخرج من الجامعة متفوقًا كما كان يعهد عنه، وتأتي المفاجأة بعدم رغبته في وظيفة (معيد) في قسمه وكليته مع الإلحاح والطلب الذي كاد أن يكون إجبارًا؛ ليتوجه للعمل في أحد القطاعات الحكومية على سلم الوظائف المدنية مستمتعًا وممتعًا في آن واحد، وجادًا ومجدًا، عازمًا حازمًا، هادئًا ضاجًا بكل أفكاره وطموحاته.
وإلى هنا لم تنته حكايته ولا الحكاية عنه، بل بجده واجتهاده ينتقل إبراهيم للعمل في (المعهد) الذي كان منارة ورمزًا في الجدية والانضباط والعمل والتعامل، بقي الرجل فيه سنين عديدة عاش معه محبوه كما أحبهم، وبقي شانئوه ممن حسدوه لم يأبه بهم، أتته الفرصة للانتقال للجامعة العريقة في العاصمة، لكن - لأمر أراده الله - لم يتم ذلك، فبقي في قلب معهده الذي ما زال في قلبه وعقله كما تقول حكايته. وفي أثناء هذه الرحلة الممتعة ارتحل كثيرًا ما بين مؤتمر وندوة، كما ارتحل معه سامعوه في الإذاعة مع صوت جميل وذكريات رائعة ساقها إبراهيم في حلقاته عن تجربته الإذاعية الثرية؛ لكن حزنه لم تخفه محاولة الابتسامة حينما تحدث عن فقد رفيق دربه (خالد) بحادث مروري أخفي عليه مديره خبره حتى يؤدي مهمته في إحدى ندوات معهده. على الرغم من شاعريته وعشقه للغة إلا أنه سافر للدراسة في أمريكا وأجاد اللغة الإنجليزية، ومن العجائب أن قبوله كان في جامعة أوهايو - أثينز التي درس بها صاحبكم بعد عقد من الزمن من دراسة إبراهيم، وكم كان جميلاً لو وجد صاحبكم اسم إبراهيم في تلك الجامعة، لكنه برغبة مسؤوليه انتقل للدراسة في جامعة أخرى له فيها ذكرى وذكريات. وحيث إن الحكاية طويلة والحاسدين كثيرون، فقد توجه إبراهيم - بعد محطات عملية جميلة أحبها وأخلص فيها - للعمل في القطاع الخاص في مجال الإدارة والتعليم فبقي سنوات حتى ارتحل برغبته وإرادته. وهنا، أجدني أشير في ثنايا الحكاية عن مشوار إبراهيم الثقافي الذي بدأ مؤقتًا واستمر عقودًا من الزمن أنتجت عناقيد ثقافية هي دفتره وكراسته التي أخط عليها هذه الحروف المتواضعة، وأخشى الممحاة، ولا أبغي سواها كراسة.
لقد قص علينا إبراهيم موقفه وموافقاته فيما يتعلق بمرحلة الصحوة والحداثة، والصراع في تلك الحقبة بين ما أسميه دائمًا الصراع بين المنبر والقناة، وفي هذا الشأن يمكن للسامع والمتابع أن يقول إن إبراهيم يصطف مع الحداثيين؛ على أن دفتره وكراسته لم تنحز إلى هؤلاء ولا أولئك، ويمكن أن يقال عنه إنه مع الصحويين ذلك أنه ابن المعهد العلمي ومحب لكتب التراث وعاشق لها. بقي أن أقول: إن إبراهيم في حكايته التي أرويها لكم وحكاياته التي ساقها لنا قد قابل شخوصًا وشخصيات متعددة من علماء ومثقفين وكتاب وشعراء، وهو في هذه الأيام والليالي يتحفنا بها، فنحن كل يوم نسمع عن شخصية ونترقب ونراقب الحديث عن آخرين. أعطى الله إبراهيم (العمر(و) عمرًا مديدًا.