الدول البوليسية كما تعرف، وصف يطلق على الانظمة الديكتاتورية التى تصادر الحريات وتفتح السجون وتمتهن القمع وسيلة لكبت الناس ومصادرة حرياتهم. المفهوم ذاته وان اختلفت الوسائل والمآلات يمارسه بعض المديرين فى قطاعاتنا الخدمية، الذين يعشقون الكراسي الادارية ووهجها وحضورها القوي داخل المكاتب وخارجها.
هولاء المديرون يعشقون الاضواء، يخيفهم اى شخص يحمل رؤية واضحة للتطوير لانه فى عرفهم الاداري الاقصائي المصلحي خطر ينبغي وأده فى مهاده قبل ان يصبح ظاهرة تعجل بترجلهم من على صهوة تلك الكراسي الوفيرة المنعمة.
هؤلاء المديرون ضعفاء فى ذواتهم ينتابهم فى كثير من الاحيان شعور بالنقص تجاه المتميزين من الاقران والمجايلين هذه العقد النفسية تنعكس على سلوكياتهم داخل أروقة إداراتهم، فيصبح هاجس نجاح الآخرين امراً يقض مضاجعهم ويجعلهم اسرى للشيطان ونزغاته وتوهينه.
لأجل ذلك اول ما يبدأ به هذا النوع من المديرين ،تكوين شبكة من العملاء الموالين ،بصفات محددة ودقيقة ،فهذا المدير صقلته التجارب وجعلته يستطيع تمييز التابع من المتبوع، وحاسته السادسة الماكرة والمطورة تخوله اختيار موظفين على قدر عالي من الوصولية وخفة الحركة والقدرة على نقل الاخبار مفصلة وفى اسرع وقت ،اضافة الى ان هولاء المخبرين يتمتعون وينعمون بهامش وفير من الحرية فيغض الطرف عنهم ويتساهل فى حضورهم وانصرافهم وانتاجيتهم.
وعندما يبزغ نجم موظف شريف فى هذه الادارات ،يبدأ العملاء فى رصده ومتابعته،كون كفاءته وامانته تمثلان مصدر خطر عليهم وعلى امتيازاتهم ،فيبدأون فى تشويه سمعته ،اما بابتسار شيء من كلامه أو ملاحقته بالاشاعات المغرضة، فتارة يتهم بالفوقية، وأخرى بعدم النزاهة ،وربما يصل الامر الى التشكيك فى ولائه للمنظومة واهدافها ! .
بعض الحالات عشتها ،فقد يصل الكره بهولاء الى السؤال عن هذا المسكين فى حيه ومجتمعه الصغير ،هل يصلي ؟ ! هل يشرب التتن ؟!.وكأنه مشروع زواج يراد له ان يكتمل وفق الاعراف والتقاليد المعروفة !.
وعندما يغتاب علنا من قبل من يتوسم فيهم الصلاح والتقى، تكون غيبته مؤطرة بإطار شرعي كمن يدس السم فى العسل، فيبدأون بتشريحه وأكل لحمه وبعد التخلل منه، يختمون مجلسهم الشيطاني بكفارة المجلس ،حتى تكون بضاعتهم نافذة ومشرعنة جاهزة لترويجها عبر الاتباع وضعاف النفوس فيستهلكها المساكين الذين تجمعهم الطبلة وتفرقهم العصا ! .
هذا النوع من الادارات على الاغلب يقودها مدير دفعته الصدفة والواسطة لان يصبح دكتاتورا اداريا، يتألف بنفوذه وتجاوزاته بعض المتسلقين الوصوليين، فيغدق عليهم الدورات والانتدابات وخارج الدوام، شريطة ان يظل ولاؤهم لشخصه الضعيف المأزوم بعقد النقص وشهوة الكرسي وحب الاضواء.
العربي بشكل عام، يعيش فى داخله ديكتاتور صغير ينتظر فرصة الخروج مع اول بارقة سلطة تلوح له فى الافق،وما ان يتمكن حتى يعتريه جنون العظمة ومتلازماتها، فيصبح هو الأول والجميع مسخرون لخدمته، فلا نعجب عندما نرى سفاحا عربيا يسحق شعبه ويسومهم سوء العذاب فهو فى الاساس كان مشروع ديكتاتورا مبتدأ ،رسخ المجتمع وثقافته الخاطئة ورموزه وعوامه فيه كل مفاهيم التسلط والانا الزائفة،فربما كان والده ديكتاتورا فى منزله ،ومعلمه مارس الدور ذاته ،ومديره اسقاه كأس الحياة بذلة ،فاصبح ديكتاتورا مصقولا بتجاربه السابقة التي صنعت منه فرعون زمانه ومكانه،يعيث فى الارض فسادا يقتل ويشرد ويهدم ،وعندما يظهر فى مقابلة متلفزة ويسأل عن افعاله الشيطانية المقيتة،يعتدل فى جلسته ويستعيذ بالله من الشيطان ورجسه، ويقول فى صوت شجي تخنقه العبرة :-(إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وماتوفيقي الا بالله).
- علي المطوع