كل الحريات تبدأ بحرية القراءة، وتتفرع بعد ذلك عدة حريات من الحرية الأصلية، مثل حرية الفكر والمعتقدات والممارسة وما إلى ذلك، إذ كيف يكون الإنسانُ حراً مالم يكن قادراً على صياغة عقله وفكره بقراءاته المتعددة؟ لقد طرأ ذلك في بالي حين كنت أتجول في إحدى مكتبات الرياض، فساقتني أهوائي للتجول في قسم الروايات، بحثاً عن رواية جديدة أشرع في قراءتها، وبينما كنت كذلك، أقلب ذا الكتاب وذا الكتاب، وقعت عيني على أحد الرفوف الذي كان مزداناً بثلاثية أحلام مستغانمي الشهيرة (ذاكرة الجسد، فوضى الحواس، عابر سرير) وبقدر سعادتي بفسح تلك الكتب إلا أنني تذكرت تلك المتاعب التي واجهتها قبل عدة سنوات حين اضطررت لطلب الروايات من خارج المملكة، وانتظرت عودة صديق عزيز من الخارج حاملاً معه تلك الروايات الممنوعة في المملكة آنذاك، وقائمة الكتب الممنوعة التي أصبحت متداولة في المكتبات وارتفع عنها المنع كثيرة، ومنها كتب عديدة لغازي القصيبي رحمه الله ومحمد حسن علوان، وغادة السمان وعبدالرحمن منيف، والقائمة تطول وتطول!
أتفهم أسباب المنع قبل عشرون عاماً، ولكن المصيبة لا تكمن في منع الكتاب أو فسحه فحسب، إذ أن معايير المنع والفسح هي معايير هلامية قد تتغير بين لحظة وأخرى، وما كان ممنوعاً بالأمس قد يكون مسموحاً اليوم، والعكس صحيح، إن المصيبة الكبرى تكمن في كون المنع مازال قائماً حتى اليوم، ومازال الرقيب يحدد للقارئ ماذا عليه أن يقرأ؟ هذا على الرغم من اتفاقنا جميعاً ودون اختلاف على أن المعايير التي تدعو لفسح كتاب ما أو منعه هي معايير هلامية غير واضحة وغير محددة، وبالتالي من غير اللائق على الإطلاق أن نحتكم لمثل تلك المعايير.
فمن المضحك جداً أن من يقومون على تقييم الكتب يعرفون جيداً أن ما يرفضونه اليوم قد يكون مقبولاً في الغد، وبالتالي فإن التناقض وارد جداً، وهو الأمر الذي يتنافى مع حالة التطور الفكري والثقافي والاجتماعي الذي تشهده البلاد، ومن باب أولى ونحن جميعاً نعمل على تحقيق رؤية 2030 أن نعمل على رفع سقف حرية القراءة والثقافة، وأن نتوقف عن خوفنا الغير مبرر من الكتب والأفكار، والتي يمكن مواجهتها بالنقد بدلاً من منعها وممارسة سطوة الاستبداد الثقافي عليها.
إن المعايير التي نضعها يجب أن لا تتجاوز ثوابت الدين، لأنها ثابتة لا تتغير ولا تتبدل بتقدم الأعوام، أما المكونات الأخرى سواء كانت اجتماعية أو ثقافية فإنها تتبدل بتقدم مستوى الوعي والحالة الاقتصادية وما إلى ذلك من العوامل المؤثرة.
لذلك مازلت منذ زمن بعيد أوجه هذا السؤال مراراً وتكراراً وأعيد طرحه:
متى نحظى بحرية القراءة؟!
- عادل الدوسري
aaa-am26@hotmail.com
AaaAm26 @