أتلفت ولا أجد من حولي سوى موسيقاي صوت فريدة محمد علي، وحاسوبي الصغير وكوب الكابتشينو المفضل لي، وكلماتي التي ترتعد في عيني وأنا أستعد لمفارقة أشيائي الحميمة التي تدعوني إلى الكتابة والتجوال مع السطور البيضاء منتظرة بوحي.
هل الحياة مجرد كتابة تنثرني على ورق أسهب بمعيتها في الشرح إلى الموسيقى التي تؤولني جيدًا، ولا يشاركها إياي شيء سوى الكلمات؟
لولا الهوى لم ترق دمعا على طلل
ولا أرقتني بذكر البان والعلم
تلك هي المساحة المباحة لي للتنقل والسفر؛ فلم تعد الأمكنة التي نلجأ إليها وتسمو بنا ممكنة بفضل خيباتنا من السياسة ومقاصدها.
هل نعزو تلك الخيبات إلى عجز فردي أو شعوبي؟ بالتأكيد، إنه لا علاقة للشعوب بما تفنيه أحوال السياسة والاقتصاد من مآسٍ وأخلاقيات رديئة بحيث تقضي على أي معنى للإنساني في الواقع. وتشغل الفرد بلقمة عيشه أكثر من انشغاله بمتعه الشخصية البسيطة جدًّا.
إننا إزاء واقع يعتبر الفرد مجرد بضاعة رخيصة، يتاجر بها على حساب القيم.
وأمام ذلك الاغتراب الإنساني النفسي يتجسد شكل الفصام في الواقع، ولا يعود هناك انتماء إلى واقع أو مكان. فهل هذا الهدف الذي يسعى إليه النظام العالمي الجديد، وتسعى إليه السياسة والعولمة المفرغة من الإنسان والواقع والأخلاق؟ أي إنسان سيرث الأرض بعد ذلك؟! ليس سوى نموذج لاإنساني، يكره المكان والزمان والواقع الذي يرى أنه وُجد فيه ليكدح وحسب! ما معنى حياة تشغل الفرد عن ذاته وذوات أخرى تعاني مثله، ويغترب هو معها فيما عدا ذلك.
بئس الحياة تلك التي تبدو بوجه حزين ومتعب ومؤرق مأخوذ بلقمة عيشه لا تعرف الرحمة، ولا تحسن الوصل، ولا تتحلى بأية قيمة معنوية مشتركة لمعنى أن يكون الإنسان خليفة الله في أرضه التي كانت واسعة وجميلة، وضاقت واتسخت وتكدرت بدماء لا ذنب لها، إلا أنها كانت ضحية مستساغة لعشاق الدم ولقمة سائغة في حلق أكلة لحوم البشر صناع اللعب السياسية الكبرى. فليحترق بسوأته كل من أراد بالأرض وأهلها شرًّا وتدميرًا.
- هدى الدغفق