«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
كل مسلم ومنذ الصغر يتعلم ولله الحمد والمنّة كل ما له علاقة بالدين. لذلك حسن إسلامنا من خلال تعليمنا مبكرًا. فكتب الدين كانت سمة من سمات منهجنا التعليمي وبالتالي كنا ومن خلال حفظنا للعديد من سور القرآن الكريم. وعلى الأخص قصار السور أو الآيات ذات العلاقة بحياتنا المختلفة.. فكم رددنا الآية الكريمة {وَوَصَّيْنَا الْإنسان بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا) العنكبوت أو الآية الكريمة في سورة لقمان فقال الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ إلا تَعْبُدُواْ إلا إياه وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أحدهما أو كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قولاً كريمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (الإسراء 23 - 24): وقبل هذا وبعد هذا تميز الإنسان المسلم عن سائر المخلوقات بأنه يحمل بين جنبيه قلبًا رحيمًا هو بدونه كالصخرة الصماء جامدة لا روح فيها ومن هنا تميز الإنسان المسلم والمؤمن بالذات عن بقية بني البشر بأنه حي القلب متيقظ الفؤاد والمشاعر والعواطف ينفعل ويتجاوب بسرعة ويتأثر بصورة تهزه وتثيره وتجعله أحيانًا لا يستطيع أن يمنع نفسه عن أن تخنقه العبرة أو حتى يذهب في موجة بكاء صامتة أو مصاحبة للنشيج.. فتجد الإنسان المسلم يرق للضعيف وبتعاطف مع الآخر ويألم بصورة لا يمكن تصورها.. ومن هنا نجد كم هو عطوف على المساكين وأبناء السبيل ويمد يده دائمًا بالعطاء علانية أو في الخفاء.؟! ولقد كانت القرون الماضية تتسم ونقولها بصراحة بظاهرة كبيرة وهي الرحمة فقليل ما تجد القتل موجودًا إلا في حدود ضيقة أو عبر حروب مجبرين عليها أو من أجل تحقيق العدالة وتصحيح مسار، فكانت بالتالي الرحمة هي سمة معاشه في مختلف المجتمعات ولو حدثت جريمة هنا أو حادثة راح ضحيتها البعض من الناس فهي تكاد تكون حالات شاذة وبعيدة عن المسار أو السلوك السائدين في هذا المجتمع أم ذاك.
كان الشعار المرفوع في مختلف المجتمعات وعلى الأخص المجتمع الإسلامي هو «الرحمة» التي تنبع وتفيض من القلوب المسلمة الطيبة والودودة وتفيض عين مياه أو نهر جارٍ لتصل إلى الجميع فينعم ويشرب من عذوبة هذه العين «الرحمة» المنسابة في جداول وغدران الخير لتصل لكل من حولها بشرًا أو حيوان أو طيرًا. وكل إنسان مسلم أكان شابًا أم كهلاً يشعر بأنه إنسان ضعيف ويؤمن حقًا أن رحمة الله تعالى واسعة وتشرق كشمسه الساطعة في حياتنا.. وكان لسان حال البعض يردد: «أن من يرحم الله من عبادة الرحماء» ومن لا يرحم لا يرحم وهكذا.. كانت الرحمة شعورًا دفينًا داخل قلوب الجميع. وجميع الناس تقريبًا يملكون هذه الرحمة إلا فيما ندر. والمدهش كانت رحمة الإنسان المؤمن. والمسلم الحقيقي كانت رحمته المستمدة من خالقه الله عزّ وجلّ لا تشمل من حوله داخل بيته أو في مجتمعه المحدود وإنما حتى إخوانه المسلمين فحسب وإنما تجاوز ذلك إلى كل من في مجتمعه من فئات أخرى.. ولكن في زمننا هذا الزمن الرديء فعلاً بدأنا نقرأ ونشاهد وفي مختلف المجتمعات العربية والإسلامية جرائم وحشية ترتكب ضد أفراد وجماعات لا حول لهم ولا قوة إلا بالله. لأسباب طائفية أو إجرامية وعدوانية. هنا تفجيرات وهناك حروب وتدمير وتصفيات. وبتر للأعضاء بوحشية ونحر وقتل على الهوية.. والطامة الكبرى أن مجتمعنا. مجتمع الإسلام والسلام برزت فيه جرائم بشعة لم يكن أحد يومًا يتصور أنها قد تكون موجودة في بلادنا الطيبة والأم الحنون. فجاءت الأخبار حاملة حبرًا مفجعًا ومؤسفًا فلقد قام شاب في مكة المكرمة.. على قتل والده وأخته وإصابة والدته بآلة حادة وتعتبر هذه الحادثة هي السادسة من نوعها منذ شهر (يوليو) العام الحالي، إِذ شهدت هذه الفترة حوادث قتل عدة تنوعت بين قتل أبناء لوالديهم وآخرين لأبناء عمومتهم. والسؤال المشبع بالحزن والمفعم بالأسف أن تحدث هذه الجرائم الوحشية وغير المعقولة من قبل أبناء لوالديهم.؟! في بلادنا التي اتسمت بالطيبة والرحمة والإيثار.. هذه الحادثة التي وقعت في مكة المكرمة وعلى بعد خطوات من الحرم المكي. وغيرها من الحوادث تدعونا جميعًا لفتح ملف (جرائم ذوي القربى) لنطرحها للمناقشة وللتحليل والتأويل ويا ليت لو أن إعلامنا المرئي يستضيف بعض ممن ارتكبوا هذه الجرائم ولو من خلف ستار لنعرف لماذا ارتكبوها.. وليدرس علماء وأطباء النفس حالاتهم. فربما يكون فيها عبرة.. فهل نفعل. آمل ذلك.؟!