كوثر الأربش
لطالما قدم الكثير من الغرب الإرهاب بوصفه سنيًا، وبأن الطوائف الأخرى هي ضحية لكل الحركات الدموية والتفجيرات العبثية التي تحدث ويكون ضحيتها الأبرياء والمدنيون؛ فداعش على سبيل المثال لا يتم تقديمها للعالم في الإعلام والمنابر الجماهيرية هناك وهنا على أنها إسلامية متطرفة، بقدر ما يتم التأكيد على أنها سنية سلفية قبل كل شيء سواءً بطريقة مباشرة أو إيحائية.
المسألة ليست بكل هذه البساطة والسطحية كما يعتقد البعض. بل هناك ما هو أعمق من هذه الحكاية الساذجة، فمنذ سنوات طويلة كان هناك منظرّ فرنسي شهير يدعى «أزوبغيل» إن لم تخني الذاكرة أشار على الحكومة الفرنسية برعاية أمريكية وبريطانية أن تحتضن الخميني بعد التخطيط لإسقاط الشاه بالرغم من أنه يقوم بتلبية كل الاحتياجات والمطالب التي تنادي بها الولايات المتحدة، فعلت ذلك لسبب مخيف جدًا. وهو تحويل مفهوم الأمة الإسلامية التي يؤمن بها الشرق الأوسط وكل من ينتمي لهذا الدين الواسع إلى مفاهيم أخرى أكثر تحزبًا وتعقيدًا، بل وخلقها إن لم تكن موجودة، هذا التحزب الضيق الذي قد يكون طائفيًا كـ»سني، شيعني، صوفي..» أو اثني عرقي مثل «العروبة» التي دعمت أمريكا ضباطها الأحرار بشراهة كما يقول رئيس الاستخبارات المركزية في كتاب لعبة الأمم؛ لأن حاكم مصر آنذاك الملك فاروق -رحمه الله- كان من أكثر المتحمسين للقضية الفلسطينية بجانب أن مصر في ذلك الوقت كانت هي المهدد الرئيس لأمان إسرائيل على المستوى الإقليمي.
كل ذلك تم فعله والإصرار على استمراره؛ لنتحول فقط إلى شذرات متناثرة ومتناحرة ومختلفة بعد أن كنا سابقًا نؤمن بأننا أمة واحدة على المستوى الديني وليس العرقي أو الطائفي؛ ولهذا السبب تحديدًا نلحظ أن الدول العظمى منذ القدم وحتى الآن ترفض نشوء أي تحالف شمولي تحت اسم الإسلام دون شيءٍ آخر، في حين أنها لا تمنع نشوء منظمات إرهابية طائفية على المستوى الحركي كحزب الله، أو جماعة البي كي كي الكردية سوى صوري فقط. لربما آن الأوان أن نعرف بأن مفهوم «الأمة الإسلامية» مهدد حاليًا بالاغتيال بطريقة ذكية وأن علينا إرجاعه إلى قاعدة اللعبة والتأكيد عليه مهما كانت الضريبة وإنشاء تحالفات تعزز من حضوره على الساحة الدولية.