«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
منذ بدأت الاستعدادات للاحتفال بيومنا الوطني وجميع الأسر والعائلات في وطننا الحبيب وهم ينتظرون عودة أبنائهم الموظفين في المناطق البعيدة عن مدنهم للاجتماع بهم ولمصادفة يومنا الوطني يوم جمعة فلقد تم تعويضه بإجازة يوم الخميس.. مما يعني وجود ثلاثة ايام إجازة ممتازة لكافة الموظفين والطلاب.
وفي استراحة بين النخيل اجتمع أصدقاء ومعارف وزملاء دراسة بعضهم تجاوز عقده السابع، وربما أكثر، وبعضهم ما زال يخفي عمره من خلال حيويته ونشاطه، فلقد تولى عملية طبخ العشاء والذي كان بنكهة الماضي (كبسة السمك المحمر) وكان معروفاً بينهم بإجادته للمأكولات الشعبية القديمة في الأحساء والشرقية.
وكنت واحداً من هؤلاء السعداء (باللمة) والاجتماع مع بعض، خصوصاً أن بعضهم لم يكن متواجداً خلال أيام العيد لكونه مسافراً مع أسرته، وراح أغلبهم يثنون على أيام التلمذة والصبا ويأسفون على أيام الحاضر التي فقدت رغم ما فيها من حداثة وتقنية وتطور، تلك الميزة بل النكهة اللذيذة للأطعمة والمأكولات البسيطة.
ومع اختلاف أعمارهم فهم يذكرون بحب تلك الأيام الخوالي ويصرون على أنه قبل عقود كان الابناء اكثر احتراما لآبائهم وكان البيت الكبير مكان الجميع، فأنت تجد فيه الجد والأب والأحفاد، بل هناك أكثر من أسرة متكاملة داخل هذا البيت وكيف كانت الأمهات والزوجات والفتيات يتقاسمن القيام بمختلف أعمال هذا البيت الكبير، رغم وجود نساء يساعدنهن في العمل، إلا أن العمل في البيت يعتبر عملاً جماعياً، وعادة ما يكون تحت إشراف ومتابعة الجدة أو زوجة الابن الأكبر.
وراح البعض يشير كيف كان السلوك مثالياً داخل هذا البيت الكبير المتعدد الغرف فأنت لا تسمع لغواً أو مشاحنة، وهناك من فسر ذلك لكون الجميع مشغولاً بالعمل، فلا وقت لدى ساكنيه لهدره في المشاحنات حتى الأطفال سعداء بألعابهم البسيطة والمحببة.
وأضافوا في أحاديثهم ما يتمتع به المجتمع داخل المدينة من علاقات قوية التواصل والألفة وحسن الذوق كان سائداً والشباب والفتيان كانوا يبذلون حياتهم في خدمة أسرهم ومجتمعهم. وتذمر هؤلاء الأصدقاء لا ينصب فقط على تراجع بعض القيم والمعايير الأخلاقية.
وبروز جرائم لا يصدقها عقل أن يقدم أحد الأبناء على قتل أو نحر والديه أو شقيقه او شقيقته كما حدث وبصورة تكررت وللأسف في السنوات الأخيرة! بل هناك من أشار إلى حتى التغيير الغريب الذي حدث في هذا الزمن هو تغير المناخ. فجميعنا عاش يوماً ما كل فصول السنة الأربعة في يوم واحد! يا سبحان الله رددها أكثر من واحد.!
وهناك من راح يعزو ما حدث ويحدث في بلادنا وغير بلادنا الى التطور المذهل في مختلف المجالات مما تسبب لصدمة هزت وجدان البعض فراح يعيش لحظته حسب رغبته. متخطياً القيم والمبادىء والأصول. وليس للمناهج علاقة فيما حدث ويحدث لبعض الشباب الطائش. او الذين ضعفوا امام ماكينة الاعلام الداعشي، وخضع عقله لعملية غسيل فراح يتصرف بشكل جنوني بعيداً عن العقلانية والدين، وكان من جميل ما جاء في أحاديثهم المحببة والعذبة والمشبعة بنكهة الماضي هو حديث أكبرهم الذي راح يقول: تعاودني دائماً ذكرى الأيام والليالي الطوال التي أمضيناها على الجمال في سفرنا إلى الرياض أو الكويت أو حتى الى مكة المكرمة.
تلك الرحلات عندما كنت صبياً هي رحلات برية مرهقة ومتعبة لكنها تحمل نكهة لا تنسى، كنا نعتمد في سفرنا على طعام بسيط، لحوم وأسماك مجففة، والخبز نصنعه بأيدينا، والماء من (الجربة) لكن كان شيخ طعامنا التمر. هذه النعمة الكبرى التي ما زالت الى اليوم ألذ طعام، ثم راح يقول صدقوني يا أخوان إن الحنين الى الماضي وما يحمله من ذكريات يشعر به الكبار أمثالنا أكثر من الصغار.
وأضاف بحكمة: إننا ونحن نتذكر ذلك في يومنا الوطني لا نقلل من الحاضر وما فيه من إنجازات شامخة وسامية تشرفنا وتسعدنا وأبناءنا وأحفادنا، لكننا وبحكم السن تبقى داخلنا نكهة الماضي والتوق لذكريات متجددة في أعماقنا أليس كذلك؟!.