تقرير - محمد المرزوقي:
أن تصف «500» عدد من مجلة ثقافية، ، فستكون أمام أقواس.. لا حدود لها، وفضاءات.. لا متناهية، وملفات.. من الحراك الثقافي المتقد، ومداخلات.. محلية وعربية، وفنون تشكيلية.. وأخرى مسرحية.. وإبداع.. لا سواحل لمد مداده شعراً كان أو سرداً.. حينها لا يكفي من العقد أن يحيط بجيد خمس مئة أسبوع ثقافي.. لنقف اليوم أمام مسيرة من العطاء الثقافي، قدمته صحيفة (الجزيرة) وما تزال شواهده متواصلة عبر ثلاث سلسلات من الإصدارات، الأولى منها تتمثل في (إصدارات الجزيرة)، أما الثانية فيمثلها (إصدارات الجزيرة الثقافية: من أعلام الثقافة السعودية.. شهادات.. ودراسات)، حيث صدرت هذه السلسلة في عشرة مجلدات كبيرة، ضم كل جزء منها عدداً من أعلام ثقافتنا السعودية، بشهادات.. ودراسات بلغت العشرات في كل جزء من أجزء هذه السلسلة.
مسارات تلتقي في الثقافة
أما ثالث مسارات هذه الشواهد على المنجز الثقافي للصحيفة، فيمثله السلسلة الثالثة من إصدارات «كرسي بحث صحيفة الجزيرة للدراسات اللغوية الحديثة» في جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، ممثلة في وكالة الجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي، الذي صدر عنه العديد من الموضوعات العلمية في مؤلفات، تميزت بعمق الطرح، وجودة الموضوع، ونوعية الدراسة، وعمق التناول، وشمولية العرض، وجودة المنهج العلمي الرصين، الذي يعكس مدى الاهتمام، وعمق الرؤية، وبعد الرسالة الصحفية، عبر هذا الكرسي، ومن خلال غيره من المسارات التي تختلف في الأساليب والوسائل وتجتمع في خدمة الثقافة في المملكة.
التخطيط لأميال المنجز
ولتوصيف ما يقف خلف هذه المنجزات الثقافية من عزيمة.. وتخطيط.. وإصرار على مواصلة الريادة الثقافية، يقول سعادة الأستاذ الزميل خالد بن حمد المالك رئيس تحرير صحيفة الجزيرة في حديثه عن سلسلة الإصدارات الثقافية: حين بدأ الزملاء بالتخطيط لفكرة إصدارات خاصة من «المجلة الثقافية» عن بعض الرموز الثقافية في بلادنا، وفي غير بلادنا، لم يدر بخلدهم، أو بخلدنا، أن هذا العمل (التوثيقي) سوف يتطور؛ ليتحول إلى مجموعة من الكتب التي ترصد الجوانب المضيئة في مسيرة كل من كان ضيفاً على صفحات المجلة.
ملفات الثقافية وكتبها
وعن معيارية الاختيار ودقته، والحرص على اختيار الأعلام الثقافة، فيؤكد الزميل المالك على هذا البعد قائلاً: لقد حرص الزملاء في القسم الثقافي - ونحن معهم - على أن يكون اختيار الأشخاص بحسب القيمة الثقافية وحجم الإبداع في كتاباتهم، ولم تكن العاطفة أو المجاملة حاضرة في أي مرحلة من مراحل إعداد هذه الكتب أو غيرها من الكتب؛ الأمر الذي يجعل من هذا الجهد مرجعاً توثيقياً للباحثين والدارسين، وعملاً مقدراً من المختصين.. لهذا فإن صدور هذه الكتب - إصدارات المجلة الثقافية: شهادات ودراسات - إنما هو تأكيد على سلامة قرارنا ومنهجنا، وهو من جانب آخر يظهر أن هذه الأعمال الكبيرة ما كان لها أن ترى النور لو لم يسبقها التخطيط والدراسة والحرص على جودة العمل.
لمن كانت هذه وجهتهم
ولكون التكريم.. ولغة الاحتفاء.. وتوشح صفحات هذه المجلة بمداد الحياة الثقافية في المملكة، وتقديم منتجها الثقافي في مختلف الفنون، ومن مختلف مناطق بلادنا، فقد أصبحت صفحات هذه المجلة عبر مسيرتها حتى هذا العدد، واحة ثقافية متفردة في السير.. ونوع المسير، يقول الزميل المالك في سياق هذه الرؤية: اعتدنا في الصحيفة - وتحديداً في القسم الثقافي - وبإصرار على أن يكون مستوى تواصلنا على هذا النحو من الاحتفاء والتقدير مع كل مبدع وفاعل ومؤثر في الساحة الثقافية، إنما هو تجاوب وتفاعل منا أمام ما نجده من هؤلاء من مبادرات نقدرها حق التقدير، باختيارهم صحيفة الجزيرة لنشر أعمالهم الثقافية والفكرية والإبداعية، لثقتهم بأن الجزيرة هي المكان المناسب لنشره واطلاّع متذوقيه عليه.
مجلة العرب الأولى
وعن منشأ هذه المسارات، ونواة منجزها، تأتي «المجلة الثقافية» منبع العطاء الثقافي، التي تتفرع جداولها عبر صفحاتها محتضنة المثقفين والمثقفات، من مختلف المشارب الفكرية، والتيارات الثقافية، مشكلة واحة يتفيأ ظلالها عبر اتساع خارطة هذه المجلة في الزمان والمكان، عشرات المثقفين والمثقفات في بلادنا، إلى جانب ما مثلته وما تزال أبوابها، بدء بالأقواس الثقافية، وانتهاء بالنصوص الإبداعية، من انفتاح على الثقافة بمفهومها الشامل، ما جعل من الثقافية - أيضاً - وجهة لعدد من عمالقة الأدب والثقافة والإبداع في مختلف فنونه من العديد من الأوطان العربية، الذين وصفوها بأنها مجلة العرب الثقافية.
عندما يفصح الحلم
وعندما نقترب - أيضاً - بشكل أكثر قرباً، فسنكون بعد هذه الإطلالة من شرفات الثقافية، وعبر أبوابها، التي وقف خلف مسيرها الكثير من التخطيط، والعطاء، والإنجاز، والإصرار على الاستمرار من محطة إلى أخرى، ومن عقد إلى عقد، لتحتفل المجلة الثقافية بهذا العدد، بين من اختاروها وجهة لهم من كتاب، وأدباء، ومثقفين، ومبدعين ومبدعات في شتى فنون الأدب، وحقول المعرفة، ما يجعلنا في حضرة العدد الأول للمجلة الثقافية، ذلك العدد الذي سطر أول الواحات الثقافية الأسبوعية، التي امتدت مساحاتها الخضراء بحجم امتداد مشهدنا الثقافي، والعربي أيضاً.
يوم أشرقت الثقافية
في يوم الاثنين الثالث من شهر مارس لعام 2003م كانت الثقافية تسابق شروق ذلك اليوم إلى أيدي القراء، هذا السباق كان الصباح المرتقب لكل من كان له مشاركة في ذلك العدد، نظراً لما تتميز به الملاحق الثقافية من قيمة لدى عامة المثقفين، وخصوص النخب الثقافية، ولما تعنيه للقراء - أيضاً - من قيمة صحفية مقارنة بالصفحات الثقافية اليومية، لما تتميز به الملاحق الثقافية من تنوع بين المحلي والعربي، والمقالات، والدراسات، والنصوص الإبداعية، إلى جانب أبرز الردود، وأبرز الأخبار، وأهم الإصدارات.. وغيرها مما كان للمجلة الثقافية فيه قصب السبق دونما منافس لها في هذا المضمار.
مع العدد «1»
سجل وثائقي «شامل» جسدته الثقافية منذ عددها الأول، الذي جاء على غلافه صورة الدكتور غازي القصيبي - رحمه الله - في أول حوار للمجلة، إذ كان موضوع غلافها الرئيس، الذي جاء بعنوان: غازي القصيبي: يؤرقني هاجس العمر..! وإلى جانب الموضوع الرئيس، تطالعك العناوين التالية: الكاريكاتير بين الحرية والتعقل؛ المسرح قرار اجتماعي لم يكتمل بعد؛ المملكة.. الخامسة عالمياً في المخطوطات؛ هكذا كان يرقد «ظاظا» هكذا يضعك غلاف العدد الأول والرؤية التي اختطتها المجلة، وأخذت على عاتقها النهوض الشمولي بدورها الثقافي، بمفهوم الثقافة الواسع الشمولي.
أيام في ذاكرة الثقافة
العدد الأول.. والأول من كل الأشياء له قيمته التي لا تصدأ بمرور الزمن، بل يزداد قيمة وأهمية كلما تقادم به عهد المسير، كان ولا بد من جولة تطواف نتنقل عبرها على عجل بين شرفات العدد الأول من المجلة الثقافية، التي يطالعنا فيها كلمة افتتاحية للزميل رئيس التحرير خالد المالك بعنوان: (المجلة الثقافية: إصدارنا الرابع) الذي جاء منه: «اليوم هو الاثنين، تذكروا أنه منتصف هذا الأسبوع، وكل أسبوع.. وقد اخترناه لكم من بين كل الأيام موعداً لكم معنا في سياحة صحفية تليق بكم.. لنقرئكم فيه مجلة أسبوعية جديدة، ولكنها هذه المرة عن الثقافة والمثقفين.. فنحن نرى في قراء (الجزيرة) أنهم جميعاً ودون استثناء يمثلون رقماً مهماً في مجموعة الطبقة المثقفة، والملمة بكل ألوان الطيف الثقافي.
عقود في جيد الصحافة
ومنذ ذلك الاثنين، الذي انتقلت بعده بسنوات إلى الصدور يوم الخميس، ثم السبت، فقد أشرعت الثقافية أبواباً.. وفضاءات.. وأقواساً.. وفتحت النوافذ على مختلف النصوص الإبداعية.. وجعلت من أقواسها صوتاً مختلفاً متجدداً.. ومنحت الحوار مساحة ممتدة بامتداد أسماء مشهدنا الثقافي والعربي - أيضاً - ما جعلها مساحة منصتة لمختلف المثقفين والمثقفات، وجعلت من (المنتدى) طاولة ملتقى أسبوعي، إلى جانب ما خصصته من صفحات، للمسرح، والتشكيل، والوراقيات، والكتب، وصفحات مختصة بنشر النصوص الإبداعية الشعري منها والسردي، بدء بالمواهب الشابة، وانتهاء بالرواد في مختلف فنونهم الأدبية.
أول «المئويات» الثقافية
تعد «المئوية» من الوقفات المهمة لأي منجز، في مختلف مجالات الحياة، على مستوى المؤسسات، وعلى مستوى الدول - أيضاً - إذ يطالعنا في العدد «100» من المجلة الثقافية، مقالة بقلم الزميل خالد المالك بعنوان: (المجلة الثقافية في مئويتها..!) الذي استهله قائلاً: «مئة شمعة أطفأناها خلال سنتين انقضتا من عمر مجلتكم..وهاهو الفرح البهي باحتفائنا بذلك يتجدد إبهاره من جديد.. ليرسم لكم مجدداً علامة النجاح والتفوق.. مع وعد بالمزيد والإكثار منه دون توقف وبلا حدود».
حوكمة بحجم الطموح
أما الزميل الدكتور إبراهيم التركي مدير التحرير للشؤون الثقافية بصحيفة الجزيرة، فيكتب افتتاحية المئوية بمقالة عنوانها (دون رقيب) الذي جاء منه: «فكرنا في العدد مئة، فكان رأي الزملاء طرح «الثقافية» أمام الجميع، لا من أجل «إحراق بخور» أو «نثر زهور» بل لتأمل «الفشل» وشخصنة «الخلل» مما جعل رسالتنا لمن هاتفناه أو كاتبناه أو دعوناه «الجفلى» أن يحدثنا عن إخفاق الأمس.. وتطلع الغد.. فشئنا - بدءاً - أن نحاكم الثقافية، وفي محاكمتها محاكمة للواقع الثقافي المحلي، فيها نتاجه.. وفيها انعكاساته.. وانتكاساته.. ولاحظوا أننا لا نركز على الإنجازات، فليس بمثل هذا تنطلق الخطوات.
ما بعد «خامس» المئويات
تنطلق الثقافية على أبواب مئوية جديدة، وهي - أيضاً - تحمل شعلة التطوير والتجديد، ومواصلة عطائها الثقافي بالمزيد من الاحترافية مضموناً وشكلاً، عبر مسيرة كان قراء الثقافية، وما يزالون شركاء التطوير، وعدة الرهان، وعتاد المئويات المقبلة، إذ ستظل المجلة الثقافية نهراً متدفقاً للثقافة، وجدولاً رقراقة لمختلف الفنون الأدبية والإبداعية، وواحة تتسع اخضراراً باتساع خارطة قرائها من داخل المملكة وخارجها، وستظل أزاهيرها متنوعة الألوان والأريج بتنوع مداد أفكارها، لتظل المجلة الثقافية الصحفية الأولى التي تحولت هبر مسيرتها إلى مرآة ثقافية، وسجلاً وثائقياً للحركة الأدبية والفكرية والإبداعية والثقافية في المملكة.