«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
عندما تجلس مع مجموعة من الأصدقاء أو المعارف لاحظ كيف يحرك بعضهم يديه. وعلماء النفس وأخصائيو علم الإشارة لديهم معرفة وسبر غور أسرار هذه الحركة فهم يعرفون جيداً ماذا تعني وبالتالي كل حركة وإشارة من هذه اليد أو تلك تعني لهم الكثير. والحركة قد تكون طبيعية وعادية جداً جميعنا نشترك في فعلها. أو تكون غير ذلك نتيجة غير طبيعية لمرض نفسي أو عضوي كما يحدث لمرضى الزهايمر. والحركة التلقائية هي معاشة ومشاهدة في كل مكان ولو تابعت البعض ممن تظهر صورته في التلفزيون أو حتى الصحف للاحظت كيف تبدو حركة يديه فهذا تراه يحركها ذات اليمين وذات الشمال وآخر يرفعها بصورة قد تصل إلى مستوى رأسه ولو لاحظت حركة أصابعه أيضاً لوجدت كيف هي تتحرك أيضاً. بل هناك من لا يتردد وبصورة عفوية من تحريك أنفه أو لمس أذنه أو حتى يكاد يفرقع أصابعه أمامك! وربما شاهدت أكثر من رجل أو امرأة وهو يحرك يده وأصابعه بصورة انفعالية كما كان يفعل «هتلر» أو حاليا المرشح الأمريكي «ترامب»، وهناك من تكشفه حركة يديه المثيرة التي تدل على انفعالاته، فتجده وهو يتحدث يداعب حبات سبحته أو نهاية طرف غترته أو «كركوشة» بشته. لذلك بات يعرف البعض بحركته التي يدرسها جيداً هواة التقليد ليرسموا منها شخصيته خلال تقليده في مشاهد فكاهية أو تمثيلية ساخرة.
وأذكر أنني كنت أقف بجوار أحد المدراء وكان يلقي خطاباً ترحيبياً بشخصية كبيرة وإذا بورقة الخطاب تكاد تفلت من بين يديه. كان وجلا ومتأثراً بوجود هذه الشخصية لكنه كان والحق يقال إنساناً حساساً أكثر من اللازم كما يقال. ومثله كثر في مختلف المجتمعات لذلك بتنا في الحاضر لا نشاهد مثل هذه المواقف ولا أوراق خطابات تهتز والبركة في التقنية التي جعلت كلمات الخطابات تقرأ من خلال شاشة لا يشاهدها إلا الخطيب..! وتقول الدكتورة سوزان ويني شنيك صاحبة كتاب (لغة الجسد): حركة اليد لها معان مختلفة وثقافية. وراحت تروي عن حادثة وقعت لها عندما دخلت أحد المخابز في لشبونة البرتغالية وأشارت بأصبعين مثل علامة النصر أو إشارة السلام وإذا بعاملة المخبز تضع لها 3 معجنات في علبة. واكتشفت بعدها أن العامل خلف فاترينة العرض تصور أنها طلبت 3 قطع.. وتضيف أن بعض الإشارات والحركات قد تفهم بصورة مختلفة بين مختلف الشعوب.. وعبر التاريخ توثقت إشارات عن بعد كانت معبرة وتعني الكثير. وعلى الأخص إشارة النصر أو (أوكيه) التي باتت مشاهدة وتعبر عن النجاح أو الفرح وحتى النصر والفوز. والقارئ لكتب التاريخ يذكر جيداً إشارة النصر التي اشتهر بها رئيس وزراء بريطانيا «تشرشل» أو إشارة الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله .. وماذا بعد قراءة اليدين قراءة دقيقة كما يفعل الأطباء عندما يتحسسون يد المريض ليكتشفون الكثير ومن خلال نظرة سريعة ليديه يكتشف الأطباء حالته المرضية.. ولغة أحبتنا المعوقين من «الصم والبكم» لغة باتت عالمية وتدرس بل إنها أدرجت من ضمن قراءة نشرات الأخبار. والحق أن الكتابة في هذا الموضوع واسع وفضفاض بحاجة لمساحة أكبر. وكم منا الآن راح يشاهد ويدرس حركة يديه وهو أمام المرآة أو من خلال شاشة هاتفه الذكي لتحكي له المشاهد حقيقة وطبيعة وتلقائية حركات يديه وربما هناك من راح يداعب شعيرات شاربه أو خصلات شعره وهو يقرأ هذه «الإطلالة» التي آمل أنها على الأقل نقلت شيئاً مفيداً عن عالم حركة اليدين.