قبل أن أكتب مقالتي هذه عنها ولها ركضت إلى خزانتي واستخرجت شريطاً تسجيلياً كنت أحتفظ به يتضمن بعض القصائد المسجلة للشاعرة السعودية خديجة العمري وهي تلقيها بصوتها في إحدى المناسبات الأدبية الثقافية:
(ألا فاعذرون ..
مصاب بنصف الخيانة حلمي
إذا شئتم..
بكيل من العنف والحذف فلتقرأونِ
وإن طاوع الحب ثانية
فاعذرون
لأني ترسمت للمستحيل رقاباً
سرقت لها أجمل الخطو..
حاولت واحدة,
وأقسم حاولتها ومراراً
لكيما أكون
ولما أفقت
حظيت بصفصافة
تظللني في سفوح الجنون
يطير بي الحزن
إما تمرد منها إليها
إلى الطرقات التي استكبر
الصبح عن ساعديها
وما خجل الليل لما تبرأ من لونه
لوجوه الذين يعيشون
من قلة الموت فيها.
يصير بي الحزن
إما تجرد..
عمّدني بالأمان, وألبسني جبة من يقين
تغالبني الأغنيات التي
انطفأت دونما كنت أنوي,...)
خديجة العمري
أنصت إلى خديجة الشاعرة فيستحوذ علي السؤال المقهور: كيف لهذا الغياب أن يمعن في اختطاف خديجة منا؟! وحتى متى يسطو المرض على تلك القامة دون أن تسارع وتتكفّل بعلاجها أية جهة ثقافية حكومية لتمكنها من التغريد مجدداً؟
فالشاعرة السعودية خديجة العمري قصيدة الذكريات والذاكرة الحاضرة في الإلهام التي تميّزت بحدة شعورها ورهافة عباراتها والتزامها بموقفها الواحد من التخلف الفكري والاجتماعي التقليدي.
ولعل هذا التجاهل المؤسسي لحالة الشاعرة خديجة يشعل في وعيي السؤال القديم الجديد: ما الأثر المعنوي الذي يمنحه الشعر والشاعر لبلادنا؟ هل هي سلبية إلى هذا الحد؟ وما علاقة نوع المبدع بمدى المسارعة لتقديم الدعم الذي يحتاجه الشاعر النرجسي؟
سؤال أطرحه على المجتمع الأدبي للوصول إلى واقع موقفه من الإبداع والشاعرة السعودية على وجه الخصوص..
لعل ما دعاني إلى طرح سؤال من هذا النوع هو ما تعرضت له الشاعرة السعودية خديجة العمري في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات من الاتهام في وعيها وموقفها الفكري والإنساني دون الاعتراف بحقها في الدفاع عن وعيها وتوضيح رؤاها كما أنها لم تحظ باية حصانة من قبل وزارة الثقافة ومؤسسات الإعلام أو حتى المثقفين السعوديين في مقابل السكوت عن موقف بعض الظلاميين منها آنذاك والذي أثرت ردود فعله على شؤون حياتها الأخرى.
وتشدو خديجة العمري:
(المُريدون كُثْرُ
ولكنّهمَّ في اليقينِ مَجَازاً
وأنتَ وإن لم تُغادرْ مقامَ التردّدِ بي
ستبقى عَلَى كلِّ ما يَعتريكَ الحقِيقَهْ).
على العكس من صمت الساحة الثقافية السعودية آنذاك نافح مثقفون عرب عن الشاعرة العمري معارضين تجاوزات تلك الفئة الظلامية التي لاتفقه شعراً ولا تنبض شعوراً ولا تحترم مبدعاً ولا إبداعاً وتمعن في تطرفها رافضين تجاوزاتها في التشكيك بأخلاقيات المثقف والتقليل من ثقة المتلقي بالثقافة. مدى ما ألحقه من الضرربالشاعرة خديجة العمري الذي كان له بالغ الأثر في نفسها ووعيها وحفر أوجاعاً شتى في وجدانها وذاتها وذلك ما دعا الشاعرة العمري لتفضّل اختيار عزلتها على البقاء في مناخ إيدلوجي سلبي نشر سمومه في تلك الفترة دون أن يمنع أو يحاسب على تشويهه صورة المبدع والإبداع.
ذلك ما يطرح في نفسي استفهاماً آخر هو: من المسؤول عن اتخاذ بعض المبدعين السعوديين موقف الغياب؟
برأيي أننا جميعاً مسؤولون عن ذلك الغياب أفراداً ومؤسسات ثقافية وإعلام ومجتمع أيضاً.
لأنه ما زال هناك. غبار يخنق الهواء النقي الذي يتنفسه الشاعر. وهو ما لا تحتمله رئة الإلهام ولا تتنفسه ذهنية المبدع.
فبأي حق وجدانيٍّ يمكن أن تحلّق أجنحة الشعر وتعي وهي دون ريش؟! ترى كم بقي من الشعراء على حال ريشه دون أن يترمد بالحزن طائر قلبه؟!
كم يا ترى؟
- هدى الدغفق