«لا يكيدُ أهلَ المدينةِ أحدٌ إلا انماع كما ينماعُ الملحُ في الماء» حديث شريف
فنِيَ العاشقون يا ابنَ المُلَوَّحْ
في هوًى من هواكَ أندى وأملحْ
تلك ليلاهمُ سراجٌ سخيٌّ
مدّ عينيه للمدى فتفتّحْ
من فُيوضِ السماءِ تاريخُ عينيها،
وفيها جبريلُ بالذِّكرِ يسنحْ
سُلّمٌ للحياةِ في الملأِ الأعلى،
وبابٌ لسُدَّةِ الشمسِ يُفتَحْ
وسلامٌ إذْ لا سلامَ، وعطرٌ
حين لا عطرَ، واشتياقٌ مُجنَّحْ
سلّةُ الضَّوعِ للزمانِ، مهادٌ
للأمانيْ، وللحنينِ المنقَّحْ
منذ (بانتْ سعادُ) والريحُ وَلْهى
والصَّباباتُ حولَها تترنّحْ
هلّلتْ للضحى قوافلُها الأولى
فأرخى لها السنا فتبَحْبَحْ
فبدت (طَيبة) وأطيبُ من فيها
نبيٌّ من ذكرِه المجدُ ينفحْ
وحَنا المسجدُ العظيمُ ملاذًا
لنفوسٍ في لُجّة الضوءِ تسبحْ
وإذا المِئذناتُ وجهُ بلالٍ
صادحاتٌ إذْ قام بالنورِ يصدحْ
وقُباءٌ يُصغي وسلعٌ يغنّي
بقوافي حسانَ يهجو ويمدحْ
وإذا بالجهاتِ تنْماعُ فيها
وإذا عُمرُها على البدءِ يرجَحْ
عَنْعَناتُ الأحبابِ -مذ عطّر اللهُ
ثراها- في كلِّ ثغرٍ مُوشّحْ
كتبتْها الرياحُ سِفْرًا أثيرًا
ينشرُ المعصراتِ، والغيثُ يشرحْ
فهْي متنُ المتونِ، لا اللفظُ يُنسى
من بهاءٍ، ولا معانيه تجْنحْ
وهْي سجّادةُ الهوى من قديمٍ
وعليها اليقينُ صلّى وسبّحْ
عَجْوةُ الدهرِ، كلما انفلقَ الطَّلعُ
ابتهجنا، وكلما العِذْقُ بَلّحْ
بَرِحَ الحبُّ كلُّه، وهواها
في حنايا أحبابِها ليس يبرحْ
يفزعُ الموتُ حين يَلقَى حياةً
بأغاني عشّاقِها تتسلّحْ
* * *
يا لهذا المصابِ! أصبح فيها!!
مُضرِمٌ للشجونِ ما بعد (أصبحْ)
ما تمامُ المعنى؟ قصيدي عجوزٌ
وسواه في حَلْبةِ الشعرِ أفصحْ
وبعينيَّ عُشبةُ الفألِ أسقيها،
وحولي غولُ السمائمِ تَلفحْ
إنما يستفزُّكَ الغمُّ لمّا
تتركُ الحزنَ بانكسارِكَ يفرحْ
* * *
مستعارٌ قد خان دفءَ المسافاتِ
فأصمى القلوبَ! ما كان أوقحْ!
صَيِّتُ الجمرِ، صامتُ الماءِ، ما بين
هوى غيرِه وحُمقٍ تأرْجَحْ
ينتشي ضِغنُه، تطيشُ به ريحٌ،
ومن يلبسِ السفاهةَ يشطحْ
خنجرُ (اللؤلؤيِّ) ما انفكّ يَفري
في ضلوعِ الفاروقِ، بالسمِّ يَرشحْ
* * *
فاغرًا في يدٍ تحوكُ المنايا
مُنسِلًا أوجهًا من الموتِ أكلحْ
عبدوا النارَ ثم صاروا عبيدًا
لرمادٍ له الحقائقُ تُذبحْ
إن صفحنا يومًا عَظُمنا، وأمـّا
ها هنا فالعظيمُ من ليس يصفحْ
خُلِقَ الحِلمُ للعزيزِ، وبنتُ الضّيمِ
ثكلى، والذلُّ للطينِ مَطمحْ
* * *
من جراحي ينسل جرح قديم
وجهه جذوة من الثأر تقدح
ليس ثأري عند السكاكينِ، ثأري
عند كفٍّ تسُنُّهنَّ وتذبحْ
- شعر/ د.عبد الله بن سليم الرشيد