«الجزيرة» - بندر الايداء / تصوير - عبد الرحيم نعيم:
توقع سفير الولايات المتحدة الأمريكية السيد جوزيف دبليو ويستفول أن يكون لتطبيق رؤية 2030 اثر كبير في نمو العلاقات الاقتصادية الأمريكية - السعودية مؤكِّداً عمق العلاقات ونموها المستمر في الفترات الأخيرة، كاشفا عن أن واردات أمريكا العام الماضي من المملكة بلغت حوالي 22 مليار دولار فيما بلغت صادراتنا للمملكة حوالي 19 مليار دولار كمستويات قياسية جديدة استمرارا لمسلسل النمو المطرد في حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال السنوات الأخيرة، واصفا إياه بالأمر الذي يجسد مستوى التوازن في العلاقة التجارية.
وشدد السفير الأمريكي لدى المملكة في لقاء خاص مع «الجزيرة» على أن العلاقات السعودية - الأمريكية علاقة بناءة وواسعة وتتسم بقوتها، لافتا إلى أن هذه العلاقة وبحكم اتساعها تتطلب جهودا أكبر ومساعي متنامية ومستمرة من حيث إعداد وتطوير التنظيمات والسياسات اللازمة لنمو العلاقة والمحافظة عليها وبالتالي إحراز تقدم كبير في مجال التنظيمات المتعلقة بالخدمات والسلع المتبادلة. وقال: استطيع أن أشبه علاقتنا بالمملكة كالعلاقة بين أفراد العائلة الواحدة فمع وجود الاختلافات في وجهات النظر في بعض الجوانب، إلا أن كل الأطراف تعي التزاماتها وتجسد احترامها المتبادل، وهذا ما لمسته بشكل واضح وعميق خلال لقائي بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، حيث شدد على عمق العلاقة ومستوى تميزها بين البلدين.
توازن في العلاقة التجارية
وفي سؤال عن حجم الشراكة التجارية والاقتصادية بين الجانبين، خصوصا في ظل المستجدات والتحديات التي تحلق في سماء السوق العالمية في الوقت الراهن ولاسيما أن المملكة تعد شريكا اقتصاديا مهما بالنسبة للولايات المتحدة سواء على مستوى المنطقة أو العالم، أوضح السيد جوزيف أن العلاقات التجارية بين البلدين من ابرز نقاط القوة في العلاقات الثنائية والأرقام تعكس ذلك، حيث بلغت واردات أمريكا العام الماضي من المملكة حوالي 22 مليار دولار فيما بلغت صادراتنا للمملكة حوالي 19 مليار دولار كمستويات قياسية جديدة استمرارا لمسلسل النمو المطرد الذي حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال السنوات الأخيرة، الأمر الذي يجسد مستوى التوازن في العلاقة التجارية.
وتوقع السفير الأمريكي أن تحظى العلاقة الاقتصادية وحجم التبادل التجاري بين البلدين بمزيد من النمو بدفع من تطبيق الرؤية الجديدة للمملكة 2030 وبرنامج التحول الوطني، حيث تهدف الرؤية إلى زيادة تنويع الاستثمارات والنشاطات التجارية للمملكة وتعزيز مصادر الدخل الوطنية واستقطاب رؤوس الأموال والكيانات التجارية العالمية بشكل أكبر وتقليل الاعتمادية على البترول كمصدر دخل كبير، بما يضمن توفير فرص العمل للشباب السعودي، وهذا بلا شك سيعطي دفعة جديدة للحراك التجاري للمملكة عالميا بشكل عام ومع الولايات المتحدة الأمريكية على وجه التحديد، حيث سيصبح أمامنا مزيد من الفرص المتنوعة والشراكات الجديدة.
«رؤية 2030»..
خيارات استراتيجية
وحول رؤيته لإعلان المملكة مؤخرا عن برنامجها الاقتصادي التنموي الرائد الذي يحمل ملامح قوية لتحول وطني قادم عبر رؤية 2030، وهي استراتيجية ستحرص المملكة على تطبيقها بدقة في ظل التحديات التي افرزها الواقع العالمي الجديد أبدى السفير الأمريكي تفاؤله بالرؤية الجديدة للمملكة 2030، مشيرا إلى أن مضامينها تشير على اختيارات استراتيجية مثالية للمملكة وقال: المملكة اتخذت هذه الخطوة التخطيطية بشكل مناسب والأهم تقليل الاعتماد على النفط في وقت زمني محدد في ظل تراجع استهلاك النفط عالميا وانخفاض أسعاره خلال الفترات الأخيرة، وبالتالي الخيارات محدودة وكان ينبغي المضي في وضع استراتيجية تعالج هذا الجانب، وأرى أن هذه الرؤية وبرامجها التنفيذية ستزيد من انتعاش فرص الشراكات التجارية للمملكة في قطاعات كثيرة متنوعة مثل المواصلات، الصحة - التعدين - الطاقة وغيره.
النفط الصخري.. مرحلة اقتصادية جديدة
وفي سؤال حول مستقبل السوق النفطية في ظل التباين الكبير لتوقعات بيوت الخبرة والمحللين وأثر النفط الصخري وهو من أحدث المنتجات النفطية الخامة الذي يعد أحد التوجهات الأمريكية المستقبلية وتأثير ارتفاع تكلفة التنقيب عنه التي اصطدمت بالتراجع الكبير لأسعار النفط التقليدي خلال العامين الماضيين، أشار السيد جوزيف إلى أن ظهور النفط الصخري في البداية هو أحد البراهين على قدرة الاقتصاد الأمريكي وتطور أدائه فقد أصبحنا الآن ولأول مرة في تاريخنا إحدى الدول المصدرة للنفط بجزء من الحصة السوقية العالمية، وهذا يدلل على مستويات التكيف والابتكار والتقدم والريادة في مجالات كثيرة وقال: الكثير من المراقبين لم يتوقعوا استمرار هذه الصناعة الجديدة في أمريكا ونجاتها في ظل الانخفاضات الكبيرة التي شهدتها أسعار النفط، إلا أن مستويات الابتكار كانت عالية لتعطي زخما أكبر في حماية هذه الصناعة ودفع مسيرتها بما فيها من تحديات أخرى مثل النواحي البيئية.
منتدى الأعمال والغوص في تفاصيل الرؤية
وفيما يتعلق بمنتدى فرص الأعمال السعودي - الأمريكي ومدى انعكاسه على العلاقة التجارية بين البلدين ومستوى الجهود في سبيل تعزيز وتطوير وتوسيع التحالفات التجارية الرئيسية بين المملكة والولايات المتحدة، عدّ السفير الأمريكي المنتدى محاولة جيدة لتعزيز الأرضية التجارية ويجب أن يستمر بشكل أفضل لكن من المفترض وفي ظل وجود الرؤية الجديدة للمملكة وبرنامج التحول أن يَتمَّ التركيز على مضامين هذه البرامج وأهدافها وكيفية التعاطي معها بما يضمن مواكبتها وتحقيق التطلعات المرجوة منها وإن كان هناك غوص في التفاصيل، فيجب أن يذهب للجوانب الاقتصادية الرئيسية للرؤية وبرنامج التحول وقال: وهنا لا يفوتني أن أشير إلى أن حجم التحديات في تحقيق الرؤية السعودية كبير جدا، ومما لا شكَّ فيه أن المتغيرات دائما موجودة والمعطيات تختلف من وقت لآخر ولقد طبقنا في أمريكا برامج تحول طموحة ولمسنا صعوبتها بل وواجهنا الكثير من الأزمات التي تطلبت تعاملا مختلفا من آخرها الأزمة العالمية في 2008 حيث تطلبت جهودا كبيرة وأوقات طويلة لاستعادة التوازن في بعض الجوانب ومواصلة التقدم والمسير واتوقع أن تتعامل المملكة بطريقة جيدة، وهذا يقودني إلى أن استمرار هذه الملتقيات والمنتديات يعطي مزيدا من الدعم والإصلاح لرحلة التنمية وسيكون أكثر نفعا لو تم التركيز على القضايا المرحلية المهمة.
استقطاب الكيانات التجارية للمملكة
وأشار السيد جوزيف إلى أهمية ما صرح به ولي ولي العهد في إطلاقه للرؤية بضرورة توسيع دور القطاع الخاص ويجب أن يكون له دور قيادي في التنمية، حيث إن التخصيص خطوة جيدة في تحقيق نتائج أفضل في مثل هذا الحراك، ولاسيما أن معظم الأهداف كتوفير الوظائف وتفعيل دور المرأة وغيرها من الأهداف الموضوعية تتطلب دورا كبيرا للقطاع الخاص.
وأبان السفير الأمريكي أن من ضمن تحديات الرؤية واستقطاب الكيانات التجارية للمملكة هو كيفية استقطاب سلاسل التوريد الصناعية بالكامل إلى المملكة وعدم الاقتصار على منتجات نهائية حيث إن الكثير من المنتجات تتطلب حزمة كبيرة من المكونات والأجزاء التي تتجمع من جهات صناعية أخرى وفق إطار تخصصي وقال: من المهم توسيع دائرة السلسلة الصناعية لأي منتج يتم صناعته في المملكة بما يضمن تعظيم الفائدة المرجوة وتوفير حراك تجاري وصناعي وتنموي أكبر.
التعدين أبرز قطاعات الاستثمار في المملكة
وفي سؤال حول عوامل الجذب المتوافرة في الاقتصاد الأمريكي للاستثمارات السعودية أشار السيد جوزيف الى أن البيئة الصناعية التجارية في أمريكا جاذبة جدا، حيث تتسم الولايات المتحدة الأمريكية بنظام تعليمي متطور ومتقدم يضمن الحصول على المواهب والكفاءات المتميزة، بالإضافة إلى نظام عمال حديث وعلى درجة عالية من الكفاءة وأصبح نموذجا يحتذى به لدى عدد من الدول المتقدمة ناهيك عن شبكة المواصلات والبنية التحتية المتكاملة وغيره من الحوافز الرئيسية للمستثمرين.
وفيما يتعلق بأبرز القطاعات المرشحة للنمو التجاري في العلاقات السعودية - الأمريكية ذكر السفير الأمريكي أن هناك الكثير من القطاعات الحيوية التي أشارت رؤية المملكة لأهميتها وقد تكون محطة نمو جديدة للعلاقات التجارية الثنائية كقطاع التعدين والصحة والمواصلات والزراعة، وقال يبدو أن التعدين من أبرز القطاعات التي ستحظى بالاهتمام والنمو ولاسيما وحسب معرفتي الشخصية بأن المملكة تولي الجوانب البيئية أهمية قصوى وهذا متطلب رئيسي لنمو قطاع التعدين، كما أن هناك مساحات كبيرة من المملكة لم يتم اكتشافها ونحن في أمريكا لنا رحلة طويلة مع هذه الصناعة وقد فاجأنا التعدين بحصولنا أعلى معادن لها استخدامات لم تخطر على بالنا من قبل ولاسيما أنه الآن أصبح في متناول العالم تقنيات تعدينية وتطبيقات متقدمة تمكن من الاستخراج والتصنيع بشكل مجدي وأكثر فاعلية وتابع : ومن أبرز القطاعات أهمية قطاع الترفيه والسياحة فهذا القطاع بجاهزيته للتطوير، حيث يتركز حجم الزيارات للمملكة سياحيا بشكل كبير على السياحة الدينية وموسمي الحج والعمرة. وسيحدث نشاط هذا القطاع انتعاشا كبيرا على كافة الأصعدة.
وأشاد سفير أمريكا لدى المملكة باهتمام الرؤية بالموقع الجغرافي للمملكة وكيفية استثماره، حيث للمملكة موقع جغرافي استراتيجي، وهي أهم بوابة للعالم بصفتها مركز ربط للقارات الثلاث، وتحيط بها أكثر المعابر المائية أهمية، وهذا هو عامل نجاح كبير.
وفي ختام اللقاء عبر السفير عن سعادته بالنهج الجديد في المملكة وما فيه من تركيز كبير على قدرات الشباب في المملكة والنهوض بأفراده لمستويات أعلى.