* قصص «مشعل ضيف الله» القصيرة جداً تصافح القارئ في هذا العدد وتبادئه في تلويحة وامضة وخاطفة.. إلا أن الأحداث عريضة، وتحتاج من القارئ إلى تدبر وتمعن، ليكتشف هوية النص.. وإلى أين يرمي الكاتب شباكه في بحر المعاني والصور.
فالقاص «مشعل ضيف الله» لا شك أنه يعتمد على النص المقتضب، ويتكئ على المشاهد اليومية، ليلتقط هذا الشريط القصصي المتتابع عن حياة الناس، وما تؤول إليه الكثير من المواقف في حياتنا المعاصرة.
* * * *
* القاصة تواصيف حميد، نختار من اضمامة قصصها وسردياتها هذا النص الموسوم بـ «أنات الرحيل».. فهو استعادة متقنة لفن الحكاية المترعة بصورها المختلفة، ومواقفها المدهشة وصورها المعبرة.
فالقاصة «تواصيف» تحرص دائما على أن يكون النص حواريا يستجلي حالة الوعي بين المتحاورين، لتذهب بالقارئ نحو معاناة الشخصية المحورية «شجن» التي تختصر بحذاقة رؤيتها للحياة من حولها، وتدفع بالراوي الى أن يفصح عن ألم الوحدة والتعب والمرض وغياب الفأل، لتكون الكاتبة أمينة فعلا في نقل ما يسكن أعماق الفتاة بصورة موجزة، لا إطالة فيها أو إطناب، وهو نص متميز ويفي بأغراض السرد وفنياته.
* * * *
* إيمان أحمد المزيجي تضيء فضاء السرد بقصص نوعية ومتناهية القصر، تستجمع فيها هاجس الإِنسان الذي يود أن يشخّص الحالة ويعالجها من خلال نص وامض وسريع يوجز المعاناة ويقف على الواقع بكل تجرد.
لغة السرد في قصص المزيجي مشحونة بهموم اليوم وتفاصيله، وحالة المجتمع الذي يبحث له عن خلاص لمنغصاته، إلا أن القارئ لهذه القصص القصيرة يستطيع أن يخرج برؤية واضحة عن مآل النص في الذائقة؛ حيث تصور الكاتبة الكثير من المشاهد بلغة قصصية هادفة ومقتضبة.
* * * *
* نص «شميم أمس» لسعود الهذيلي يبحر في موقف شعري لكنه يكتب بسرد موثق.. فالمشهد الشاعري للرمل والغضى والسفر ورائحة العرار لها بعد تجذيري في رسم هذه التفاصيل التي تلامس الحقيقة، ولا تبتعد عن المضمون التأملي للحياة في العراء وعشيات الرمل ومفاوز الصحراء.
نص الهذيلي يكاد يكون قصيدة في مضمونه، ونصا سرديا مفتوحاً في واقعه.. فالكلمات التي التقطها من قاموس الحياة الشاعرية كفيلة بأن تجعل هذا النص مكتنزا للكثير من الصور الجميلة والمعبرة.
* * * *
* نص عبد الله الهديان «العرض الشيق» يأخذ من القصة هوية القول ومن الشعر تراتبية الخطاب المفوه.. حيث ينقلنا النص إلى تسلسل وجداني عن حالة الإِنسان الذي يأخذنا ومن خلال النص الإبداعي إلى تفاصيل حكاية الناس منذ القدم، ليجمع لنا نحن القراء حقيقة الوجود الإِنساني فينتقي لنا وببراعة أدق التفاصل عن مكنونات (كان.. ياما كان) وما تبقى من آثار قديمة تضيء للقارئ تلك الدروب التي باتت تغيب من فرط توالي الزمن عليها.