سام الغُباري
ابحث، نقّب، فتّش، أعد الكَرة، مرة ثم مرة، أعطني مثالاً واحداً فقط لعنصر محترم من عناصر أنصار الله (الحوثيين)، لن تجد، لا أحد فعلاً.. تلك كارثة حقيقية حين يخلو تيار مسلح بداخل اليمن من أي شخصية محترمة قادرة على إبراز جانب غير متسخ يمثله عضو واحد من أنصارها الذين يتزاحمون كفاحشة ساء سبيلها، التهمت البلد العربي الفقير في انتكاسة تاريخية مؤذية يحضرني الخجل منها حين يسألني أولادي وأحفادي عنها، وكيف سمح الطيبيون لمثل تلك الكائنات اللزجة بالتمدد والتنفس، وإباحة الشر وإدانة الخير.
ما زلت مصدوماً منذ عامين، لما دخلوا إلى العاصمة صنعاء، تسبقهم شعارات الموت لأميركا واللعنة على اليهود ملصقة على عرباتهم التي صارت الآن مكاناً لنقل الميتين ذوي الروائح النتنة، نُزع الشعار المميت، واستبدلوه بجثث حقيقية، وقد قيل إن من طلب الموت لأعدائه ناله، هكذا هم الحوثيون، مسيرة لا تعترف بالسلام ولا تقترب من الأخلاق، ليس لهم حسنة واحدة، أحاول أن أتذكر شيئاً جميلاً صنعوه في طريقهم الغاضب، فلم أجد سوى الأطفال الذين خدعوهم بالقتال إلى صفوفهم!.
في صباي.. كنت دميماً، أحاول انتزاع إعجاب جارتنا الجميلة، أتخيلها تمر من أمامي وتدهسها سيارة عابرة، فأقفذ كالفرسان لنجدتها، كان هاجس البطولة يمنحني الكثير من الأمل، ذات يوم أنشأت في حينا الفقير فريقاً للعراك مع صبية الحي المجاور، صنعنا سيوفاً خشبية، وتحدثنا الفصحى، وهجمنا فجأة على الصبية المتربصين بنا، أُسر بعضنا، وقتلنا منهم كثير -كانت الطعنة بالسيف الخشبي تعني الوفاة-، وعدنا إلى الحي لإنجاز خطط تبادل الأسرى، أتذكر حماستنا، كأني كنت أحارب الروم!، تبددت هواجس البطولة بعد اقتراب العشرين، وهدأت، استسلمت لرياح الصحافة التي أخذتني معها طويلاً، ذلك ما يحدث اليوم، أطفال الحوثي يصلون إليه بكُنى مستعارة، يمنحهم عربة وبندقية، ونشاطاً كشفياً، وراتباً يجعله مسؤولاً حقيقياً، ثم يقوده إلى حتفه!، البطولة التي عززتها ثقافة مسلسلات العنف الدرامي، وحماسة الزوامل الحربية، قيمة الانتصار على أميركا وإسرائيل التي تغزو العراق، فرصة الوصول إلى حورية مليحة في الجنة، تلك أشياء لم تتوفر لي في صباي، لكنها توفرت للكثير من صبية هذا العالم الذين يحترقون برصاص المقاومة، فيما الحوثيين يرسلون الآلاف منهم بلا حساب، يأخذونهم من كل شارع، ومقهى، يستغلون تفكك الأسر، وفقر الوالدين، لاستقطاب أولادهم من شوارع الضياع والملل على أمل ممارستهم دوراً في حماية البلد والمشاركة في نجاح مزعوم، ودولة مريضة ومنهوبة، هل هذه تصرفات جماعة محترمة ؟!، الكارثة أن الهاشمية كسلالة تحولت هي الأخرى إلى كيان طافح كمجارير الصرف الصحي، تحدثت عن قدسيتها، وتنكر الجار لجاره، والخليل لخليلة، والمرأة لصاحبتها، شعروا بالانتماء إلى الحكم الغائب منذ خمسين عاماً، وأنهم استعادوا شيئاً مفقوداً، لكنهم كانوا يختطفون في كل ساعة ولحظة كل القيم الجميلة التي تعرفها الفطرة الإنسانية، تخلفت الصحافة إلى ما قبل الوحدة اليمنية، عشرين عاماً من الهامش الديمقراطي المميز، دفنها الحوثيون بصلافة مؤسفة، لم يتبق في صنعاء سوى قناة مسيرتهم المهووسة بالبحث عن انتصارات مخادعة في حدود الجارة السعودية، يبحث الحوثيون عن مبرر لجعلهم نبلاء، لكنهم لا يجدون.
ثلاثمائة وخمسون صحفياً يشكلون ثلث الصحافيين العاملين في اليمن، فقدوا وظائفهم خلال أقل من عام منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، مائة وعشرون حالة انتهاك وتعذيب للصحفيين خلال أربعة أشهر فقط، فيما وصل عدد القنوات المتوقفة إلى أربع عشرة قناة، كما توقفت عشر إذاعات محلية عن العمل، حتى أولئك السياسيون الذين جلسوا معهم في طاولة حوار واحدة، سجنوهم، وقتلوا منهم الكثير.
الحوثيون يعاقبون الوعي، الكلمة الذكية تقتلهم، يعرفون أنهم لن يعيشوا إلا على جهل الصبية الصغار، يتغذون من عقولهم، ولو كان ثمة من يقرأ ملازم حسين بدر الدين الحوثي لجعلها في أحسن حال ورقاً للتواليت! كيف يمكن تخليد ذكرى حسنة لهؤلاء «الزومبي»، ليس فيهم شاعر، فيلسوف، إنسان، قاص، مطرب، حتى الحيوانات الأليفة رفضت الانتماء إلى الحوثية!، كل الذين كانوا نجوماً في المجتمع، وأصابتهم عدوى الحوثية، تحولوا إلى قتلة، حتى إبن عمي الذي ينتمي إلى دمي ولحمي، كان أكثر المتحمسين لاختراق صفحتي الشخصية على فيس بوك، نسي أني من لحمه ودمه، وحاول اصطيادي عارياً وكشف أسرار بريدي الخاص!.
- ليس هناك ما هو أبشع من أن تكون حوثياً، لأنك لن تكون محترماً البتة، لن تنتمي إلى الأخلاق أو الإنسانية، ستدافع بطريقة وقحة عن مبررات تدمير البيوت، ستأخذك ثقافة قطيع «فوضناك»، ودعاوى توزيع القتل المجاني في كل منطقة من اليمن، ستكذب وتتهم المؤمنات الغافلات بالفاحشة، ستقول كل شيء يجعلك بغيضاً في حق نفسك ومجتمعك وأصدقائك، ولن تصحو، فأنت اليوم تسقط، ولن تكتشف أنك صرت حوثياً مجرماً وغير محترم إلا على نار جهنم، وأنت تكتوي بذلك الجحيم بجوار سيدك المأفون.. وبئس المصير.