عبد الرحمن بن محمد السدحان
تمهيد:
«أحتفظ في مكتبة منزلي برصيد ثر من مقالات نُشرت لي سابقاً في هذه الزاوية وفي سواها، وسرّ هذا الحفظ هو أني أعامل (حروفي) مثلما يعامل الأب الحنون أبناءه، (حصناً) لهم من الضياع و(تحصيناً) من التلف والنسيان. وبين الحين والآخر أزور (أبنائي) تجديداً للود لهم وتأكيداً للشوق إليهم، فأبتسم تارةً وأعبَس أخرى، إمّا (إعجاباً) بفكرة طرحتها قبل حين من الزمن، ثم لم يغادرها الصواب منذ ذلك الحين.. فكرةً وصياغةً وعرضاً، وإمّا استنكاراً قد يرقى إلى سدة الرفض للفكرة، في ظل متغيرات الحال والأحوال!
* * *
«وأحياناً (انتشي) بفكرة ما، فأقرر (إعادةَ) نشرها أو جزء منها، ليقرأها من لم يقرأْها من قبل، ثم له الحكم بعد ذلك على صاحبها أو له!
* * *
وأعرض هذا الأسبوع نماذج مختزلة من طروحات (رئوية) سابقة :
(1)
بين المحافظة والتجديد :
«(المحافظون) على التراث يصرون عليه.. وفاءً لهوية الأجداد!
«والمقلدون للجديد يتبعونه (حذو القذة بالقذة)! بل ويعضون عليه إصراراً باسم المعاصرة، حيناً.. واقتداءً بـ(الآخر) معظم الأحيان!
* * *
«وبين أولئك وهؤلاء قوم آخرون، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يقولون، ويظهرون ما لا يسرُّون، ويتسابقون إلى إدراك لذّاتِ الحسّ.. وإن كان بعضهم لها كارهين، يخشون أن (يزدريهم) الموسرون من معارفهم أو أقاربهم أو الجيران!
«وقد تملى لأحدهم عقدة (الرياء الاجتماعي) فيرْهنَ اسمه وماء وجهه.. وجزءاً مما يملك من أجل حفنة دراهم يبددها في هذه المدينة أو تلك أو ذاك المنتجع أو الملهى!
* * *
« ورغم أولئك وهؤلاء.. هناك قوم آخرون لهم أبصار تعافُ وأفئدة تعفّ!! وهم في أغلب أحوالهم (مستورو الحال) بميزان العصر والأوان، يحسبهم الناس من فرط عفّتهم مُوسرين!
* * *
« ماذا يقول (المخضرمون) منا سناً وتجربةً وثقافة، أمام هذه الظواهر العجيبة في مجتمعنا.. سوى الدعاء بأن يصلحَ الله حال النفوس.. كي تعتبرَ، ويكون غدُها خيراً من أمسها!
* * *
(2)
الخوف.. نعمة أم نقمة!
« تلازم الطفل منا فطرةُ (الخوف) قبل أن يحبُوَ، وقبل أن يقف على قدميه، وبعد أن يسير أو يعدو عدْواً، وتلك فطرة الحسّ البشري في كل زمان ومكان! لم أكن في طفولتي استثناء من ذلك النمط، لكنني كنت وأنا في فجر الصبا أعاني من (مركب) آخر للخوف، تسيطر عليه النفس ويحكمه الإحساس بدْءاً ونهاية!
* * *
كيف ؟
«كنت أخاف وأنا طفلٌ من غُمُوض الغد، لأنني (استيقَظت) ذات يوم من سبات اللاّوعي الطفولي، لأجدَ والديّ منفصليْن، وأذوقَ بسبب ذلك (يُتماً) من نوع فريد، جعَلني في ذلك السن المبكر، أتراءَىَ الغد.. بهاجس يتقاسمُه الخوف والشك، ولم يكن لي في تلك الأيام (ظهرٌ) يسند ضعفي، ويمْسَح عبرة الشك في وجنتي، سوى سيدتي الوالدة ـ رحمها الله ـ التي كنت ألجأ بعد الله إليها بحثاً عن (قوة) تسدني من سطوة الغد، وتمنحني هي من الحب ومن الدموع.. بقدر ما يُلهمها سموُّ (الإنسان) في أعماقها!
* * *
«لكنني سرعان ما استنفدت تلك الجرعة من الدعم المعنوي ليعود إليّ هاجس الخوف من الغد أو أعود إليه! وفي كل الأحوال، لم يهملني الله أو يخذلني، ومنحني في القادم من أيامي قوة كانت (درعاً إلهياً) جعلني (أتصالح) من خلاله مع الغد ومع الخوف تبعاً، فأستقبلها بالكدّ والحب وحسن الظن.. ورحت بعد ذلك أخوض غمار الحياة، بيسرها وعسرها حتى ألقيت بعصا الشك والألم في شاطئ الاستقرار النفسي والعائلي والحمد لله من قبل ومن بعد!