علي الخزيم
في إحدى محافظات الوسط وقبل المغرب كنت على الموعد عند منزل صديق لطيف علم بزيارتي تلك فأصر على مشاركته الإفطار، عند وصولي شاهدته يُنْزِل من سيارته تشكيلة من الفواكه يسيل لها لعاب المُتْخَم فكيف بالصائم الذي فقد السوائل بإجهاد كان لا بد منه للزيارة العاجلة؟ هو رجل دمث لا يغضب من ممازحتي له بل إنه أحياناً يفتعل ما يجلب بيننا المزاح بقصد الأنس واستحضار الطرائف الممتعة بعيداً عن لغو القول، وعند العشاء طالبته بنصيبي من الفواكه، وأكدت أنه لا يمكن أن يُنكر وجودها، فأنكر ذلك مؤكداً بقوله: إنها لم تكن للمنزل، فهم قد صنعوا لنا نوعين من الحلوى يعلمون أنك تحبها، شكرته وعَبّرت عن شكري لربة البيت، غير أني مُصر على معرفة مصير الفواكه (فلعابي لن يذهب هدراً)!
قال إن من عادته أن يجلب شيئاً لما يسمى (تفطير الصائمين) بمسجد الحي، وأن ابنه قد أوصلها مع شيء من الطعام إلى المسجد، وأضاف: أنه يؤيد رأياً لي كنت قد كتبته بالجزيرة مُلَخّصه: أن من حسن الذوق أن تقدم ما تشتهيه النفس للضيف والفقير أو لا تقدم شيئاً، كما أن الهدية يجب أن تكون كذلك، فهي عنوان على عقل مُهْديها، ومثلها الرسالة والسفير المرسل، وقال: إن هؤلاء العمال يَكُدّون طوال نهار الصوم وهم بحاجة لمن يلتفت لهم لا سيما المسلمين منهم، وغيرهم لتأليف قلوبهم! أجبته بأنه يُفترض أن يؤلف قلبي أولاً بما لذ وطاب وأيْنَع من تلك الفواكه التي يكفي منظرها لتأليف قلب جبل صلد، ابدأ بي أنا صديقك الصائم المصلي، ألا يكفي هذا مبرراً لأن أكون من بين (المزدردين) لها المتمتعين برحيق ما يسيل من عصائرها؟ هداك الله هل يجب أن أكون عاملاً في السباكة والتبريد والتكييف والبناء ومشاغل النساء وغير ذلكم من الأعمال التي يتم من خلالها استغلالك مادياً حتى تُمكنني من أطايب الطعام والفواكه؟
هؤلاء العمال كثير منهم من غير المسلمين وأجزم أن تأليف قلوبهم أصعب من صبري وكمدي على تلك الفاكهة التي طارت من بين يدي (حسبي الله ونعم الوكيل)! أما المسلمون منهم فلم يُطلب منا تسمينهم خلال الشهر الكريم، وحكمة تفطير الصائم التي عرفها الأسلاف والأجداد هي للمسافر والفقير والغريب وأمثالهم، وليست لعمالة قادمة (بالغالب) من أعتى سجون بلادها ومنهم أرباب سوابق وجرائم بدليل أنهم لا يرحموننا حين نطلب منهم أي خدمة حرفية، يبالغون بالأسعار ويُدَلّسون ويغشون ويكذبون، وحين تذهب زوجتك التي وقفت منذ الظهيرة لتصنع لهم ما صنعت تكون هي أولى ضحاياهم بمحاولة التغزل والتحرش بها واستغلالها برفع أسعار بضاعتهم، وعجزت أن أستوعب لماذا هم من يتحكم بكل مفاصل الأسواق والبضائع والمزارع ويعجز أي شاب سعودي أن يجاريهم وينافسهم؟ لأنهم يحاربونه، وأن عجزوا دبروا له المكائد، وكأنهم (بكل جنسياتهم) متفقين على هذا النهج، فأرى أن ما يسمى مخيمات تفطير الصائمين بحاجة لتدقيق ولدراسة جادة.